الأحد، نوفمبر ٠٥، ٢٠٠٦

الحجاج 2

ــ الحجاج في الجيش
بعدما ترك التعليم انضم إلى جيش حبيش بن دلجة الذي أرسله مروان بن الحكم لقتال عبد الله بن الزبير وبعد انهزام حبيش لحق الحجاج بروح بن زنباع وزير عبدالملك فكان في شرطته ثم ولي على جند عبد الملكوفي سنة 72هـ سار على ساقة جيش عبد الملك لقتال مصعب بن الزبير في العراق فقتل مصعب ولم يبقى من أعداء الخليفة إلا عبد الله بن الزبير في الحجاز الحجاج وعبد الله بن الزبيربعد أن اطمأن عبد الملك إلى جدارة الحجاج في القتالكلفه أن يخمد ثورة ابن الزبيرفقصد الطائف أولا ووجه منها بعض كتائبه لمناوشة خصمه ثم تواردت إليه الإمدادات وكان منها قوة بقيادة طارق بن عمرو التي استولت على المدينة(يثرب) وطرد منها عامل بن الزبير ، ولما سمح له الخليفة بالهجوم خف إلى مكة وضرب عليها حصار طويل دب اليأس في قلوب قسم كبير من رجال بن الزبير فخرج إليه مستسلماًحولي 10000مقاتل منهم ومن بينهم ولدان لابن الزبيرحتى أدرك ابن الزبير ألا إمارة و لا خلافة له فخرج إلى الحجاج وقاتله حتى قتل
ــالحجاج من الحجاز إلى العراق
بعد مقتل ابن الزبير كافأه عبد الملك بن مروا ن جعله والياً على الحجاز ومن هنا بدأ يتألق نجمه وفي عام 74ه توفي بشر بن مروا ن والي العراق فرأى شقيقه الخليفة عبد الملك أن هذه الولاية مفتقرة إلى والٍ حازم وصلبالعود ليقر النظام فيها ويحمل أهلها على إمداد الملهب ابن أبي صفرة في قتاله الخوارج الذين كانوا قدا شاعوا الرعب والذعر في قلوب العراقيين ولم يكن لأهل العراق ثبات مع زعيم يقاتلون معه أو رجل يعاهدونه بل سرعان ما يخذلون متزعماً لينظموا إلى غيره ويقاتلون معه ثم يخذلونه من جديد بمجرد ظهور زعيم أقوى منه مع رغبتهم الملحة في عصيان الدولة فاختار لها سنه 57هالحجاج بن يوسف فسار الحجاج بجيش إلى الكوفة يحمل أمراً بتوليه العراق وجميع ولايات المشرق وقبل أن يصلها استوقف الجيش عند القادسية وفي مسجد الكوفة اعتلى المنبر وفاجأ الحاضرين بخطبة نارية قد هدد فيها أهل العراق ووصهم بأهل النفاق والشقاق مندداً بأعمالهم العدوانية ضد الأمويين وبميلهم إلى الفتن والثورات مبيناً سياسية التي سيسير عليها في عبارات صارمة وصريحة أشعرت العراقيين أنه لن تأخذه هوادة في معاملة من يخرجون على الطاعة وأمرهم أثر ذلك باللحاق بالمهلب بن أبي صفرة 0 وقد حذا الحجاج الطريقة نفسها في دفع أهل البصرة إلى الالتحاق بجيش المهلب إذ خطب فيهم خطبة مماثلة وطلب منهم مثل ما طلب كم الكوفيين وبعد ذلك أخمد الحجاج ثورة الخوارج وثورة عبد الرحمن بن الأشعث وجاء وقت الفتوحات 0
ــ أعمال الحجاج الإصلاحية
أفرغ الحجاج همته وتفكيره للعمل في إنعاش البلاد التي أنهكتها عشرون سنة من الحروب المتلاحقة وكان الإنعاش يقتضي إصلاح القنوات التي تحمل مياه النهرين إلى أطراف البلاد وتعهدها بالعناية والرعاية الدائمتين كما ذهب إلى إصلاح السدود وقاوم الحجاج بشدة الهجرات الريفية إلى المدن حرصاًً منه على عدم نقص المحاصيل الزراعية وضريبة الخراج000
ــ واسط مدينة الحجاج
شرع الحجاج في عمارة واسط سنة 84هـ وفرغ منهاسنة 86هـ ولم فرغ منها كبت إلى عبد الملك إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسطأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البلاد حيث تبعد عن كل من الكوفة والبصرة والأهواز والمدائن 40فرسخوحفر في واسط نهري النيل والزاب ومصّر مدينة النيل
ــالنقاط على الحروف
جاء رجل رومي إلى الحجاج وألقى عليه الشعر بطريقة مضحكة لأنه كما هو معروف في ذلك العصر وما سبقهلم تكن الأحرف منقطة فعندما نقطها على هواه تغير المعنى على اثر هذا الأمر خشي الحجاج من الأعاجم الذين يدخلون الإسلام من قراءة القرآن بشكل خاطئفأمر نصر بن عاصم بإيجاد حل يتلاف فيه الناس الخطأ فوضع النقاط على الحروفكما أمر بتنقيط مصحف عثمان
ــ تعريب الدواوين وضرب النقدإن من أهم الخطوات التي قامت بها الدولة الأمويةهي تعريب الدواوين ولا عجب إن كان الحجاج ضالعا ًفي هذا المجال فقد كان ديوان الخراج يكتب في العراق باللغة الفارسية وكان صاحب ديوان خراج العراق زاد انفروخ فلما قتل زاد استكتب الحجاج صالحا ً مكانه وأمره بتعريب الدواوين وبذلت الفرس لصالح مائة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان فأبى إلا نقلهأما من الأسباب التي دفعت الحجاج إلى تعريب الدواوين والفوائد التي حصل عليها فيها إعطاء الدولة مضموناً عربياً وضرورة مراقبة سجلات الدولة ليسهل ضبطها ويمكن تحقيق ذلك إلا بكتابتها باللغة العربية كما أدت إلىخلق فئتين من العرب تسلموا إدارة الدولة كما أنها أدت إلى تطوير فن الكتابة عند العرب وإدخال مصطلحات جديدة إلى اللغة العربية أما بالنسبة إلى النقد كان النقد المستعمل هو الدرهم الفضي الفارسي و الدينار الذهبي البيزنطي فما كان من الحجاج إلا أن أمر بضرب نقود عربية وعليها كتابات إسلامية وقد كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ولقد تم سحب النقود المتداولة بين الناس وحقق تعريب النقد الاستقلال المالي ولاقتصادي للدولة العربية
ــ فصاحة الحجاج
كان الحجاج خطيباً بليغاً فصيحاً ذا منطق وإبانة لا يشق له غبار حتى أن أبا عمر بن العلاء قال في شأنه ما رأيت أحداً أفصح من الحسن البصري والحجاج0 و أسلوب الحجاج في خطبه هو مرآة تتجلى فيها نفسيته الصاخبة الهدارة وإن فصاحته وبلاغته اللتان ملأتا النفوس والقلوب ورعاً وهولاً أراد الحجاج أن يكون لسانه سيفاً له يقرع الثائرين والمفسدين قرعاً . فرمى في كلامه إلى التهويل والتخويف وجعله قوياً في معانيه وقوياً في صوره وقوياً في مبناه ولهذا عني بكلامه عناية شديدة ونمقه تنميقاً ملموساً وكانت قوة كلامه والمعاني قائمة على الإكثار من ذكر المرهبات وتقوية كل ذلك بالتأكيد والقسم و الاستفهام وغير ذلك من وجوه البيان أما قوة الصور فقائمة على تراكمها وغرابتها وهولها أما قوة المبنى فقائمة على إيجاز العبارة وجزالتها وسرعة تدفقها وشدة موسيقاها وغرابة ألفاظها 0خلاصة القول أن الحجاج يعمد إلى الأغراب لتفخيم الأمور وتهويلها على السامعين وهو يكثر من الصور المفزعة والألفاظ الزاجرة والأشعار الغريبة في تجير وتنميق ورصف وتجويد.ومن شدة حرصه على سلامة قوله وفصاحة لسانه سأل الحجاج ذات مرة يحيى بن يعمر العدواني قائلا أتجدين ألحن فقال له:الأمير أفصح الناس فقال الحجاج مؤكداً :عزمت عليك أتجدين ألحن فقال يحيى : نعم فقال له في أي شيء فقال في كتاب الله تعالى فقال : ذلك أسوأ ففي أي حرف من كتاب الله قال : قرأت:( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم وأموال اقـترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله و رسوله) سورة التوبة {24}فرفعت أحبّ وهو منصوب على خبر كان وفعلها فغضب الحجاج غضباً شديداً وقال:لا جرم لا تسمع لي لحناً أبداً وألحقه بخراسان ومن شدة حرص الحجاج على فصاحة اللسان وكرهه للحن تكلّمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت وهي عند الحجاج فقال لها : أتلحين وأنت شريفة وفي بيت قيس قالت : أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصارية منطق صائب وتلحن أحياناً وخير الحديث ما كا لحنا فقال لها الحجاج : أنما عنى أخوك اللحن في القول إذا كنى المحدث عما يريد ولم يعن ِ اللحن في العربية فأصلحي لسانك .ومما رواه غير واحد عن الحجاج أنه قال في خطبته في المواعظ. ألا أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل ، رجل خطم نفسه و زمها فقادها بخطامها إلى طاعة الله وكفها بزمامها عن معاصي الله رحم الله امرأ رد نفسه، امرأ نظر إلى حسابه ، امرأ وزن عمله امرأ فكر فيما يقرأه غداً في صحيفته ويراه في ميزانه وكان عند قلبه زاجراً ،وعند همه امرأ، أخذ بعنان عمله كما يأخذ بزمام جمله ،فإن قاده إلى طاعة الله تبعه، وأن قاده إلى معصية الله كف، امرأ عقل عن الله أمرة، امرأ أفاق و استفاق ، وأبغض المعاصي والنفاق وكان إلى ما عند بالأشواق فمازال يقول امرأ امرأ ،حتى بكى مالك بن دينار وكان مالك بن دينار واحدا ًممن من روى عن الحجاج ولكن ينشر الفتنة والإشاعات الكاذبة التي ليفقها الشيعة والخوارج وغيرهم ضد الحجاج .
ـ قال المدائني عن عوانة بن الحكم قال :قال الشعبي سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبقه إليه أحد يقول: أما بعد فإن الله تعالى كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء ،فلا فناء لما كتب عليه البقاء ولا بقاء لما كتب عليه الفناء. فلا يحزنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة واقهر وأطول الأمل بقصر الأجل .ـ قال الأصمعي : حدثنا أبو عاصم النبيل حدثنا أبو حفص الثقفي قال :خطب الحجاج يوماً فأقبل عن يمينه فقال ألا أن الحجاج كافر،ثم أطرق فقال: إن الحجاج كافر ، ثم أطرق فأقبل عن يساره فقال: ألا إن الحجاج كافر ، فعل ذلك مراراً، ثم قال: كافر يا أهل العراق باللات والعزى .
ـ مقتطفات من خطب الحجاج-
من خطبة الكوفة
أنا ابن جلا و طلا ع الثنايا متى أضع العمامة تعرفونيأما والله إني لأحتمل الشر بحمله وأخذوه بغله وأجزيه بمثله وإني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطا فها وإني لأنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى يا أهل العراق أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق إن أمير المؤمنين نثر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً وأصلبها عموداً فوجهني إليكم فإنكم طالما أوضعتمفي الفتن واضطجعتم في مراقد الضلال وسننتم سنن الغي ......إلخـ من خطبة البصرة أيها الناس : من أعياه داؤه ، فعندي دواؤه ومن استطال ماضي عمره، قصرت عليه باقيه. إن للشيطان طيفا ًوللسلطان سيفا ً ، فمن سقمت سريرته صحت عقوبة ومن لم تسعه العافية لم تضق عنه الهلكة ومن سبقته بادرة فمه سبق بدنه بسفك دمه إني أنذر ثم لا أنظر وأحذر ثم لا اعذر وأتوعد، ثم لا أعفو إنما أفسدكم ترنيق ولاتكم ومن استرخى لببه ساء أدبه إن الحزم والعزم سلباني سوطي وأبدلاني به سيفي ،فقائمة في يدي و نجاده في عنقي وذبابه قلادة لمن عصاني والله لا أمر أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه ، إلا ضربت عنقه ـ من خطبة الحجاج بعد دير الجماجم يا أهل العراق ، الكفرات بعد الفجرات ، و العذرات بعد الخترات والنزوة بعد النزوات، إن بعثتكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم و إن أمنتم أرجفتم وإن خفتم نافقتم . لا تذكرون حسنة ولا تشكرون نعمة. هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو سنغزكم عاص أو استنصركم ظالم أو استعصنكم خالع إلا تبعتموه و أو يتموه ونصرتموه و ر جبتموه يا أهل العراق ، هل شعب شاعب، أو نعب ناعب أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصارهيا أهل العراق ألم تنهكم المواعظ ؟ ألم تزجركم الوقائع؟!!ثم التفت إلى أهل الشام فقاليا أهل الشام إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ويحميها من الضباب ويحرسه من الذئاب... إلخ
ـ مواقف حجاجّيةـ
كتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث غليه برأس عباد بن أسلم البكري 0 فقال له أيها الأمير أنشدك الله لا تقتلني فوالله إني لأعول أربعاً وعشرين امرأة مالهن كاسب غيري 0 فرق لهن واستحضرهن وإذا بواحدة منهنتقول أنا ابنته فاسمع يا حجاج منيأحجاج إما أن تمن بتركه علينا وإنما أن تقتلنا معا أحجاج لا تفجع به إن قتلته ثماناً وعشراً واثنتين وأربعاأحجاج لا تترك عليه بناته وخالاته يندبنه الدهر أجمعافبكى الحجاج ورق له واستوجبه عبد الملك و أمر له بصلة ـ قال الحجاج للغضبان بن القبعثرى في حبسه م أسمنك قال: القيد والدعة (الرفاهية ) ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن جاء الحجاج بامرأة من الخوارج وكان قد أسر أخاها وزوجها وابنها ، وخيرّها بواحد كي يطلق سراحه فقالت: (( الزوج موجود ، والابن مولود ، و الأخ مفقود )) و اختارت الأخ فأعجب الحجاج برأيها وعفا عن الجميع ـ حضر أعرابي مائدة الحجاج فأكل منها لقمة فقال الحجاج مازحاً :من أكل من هذا شيئا ً ضربت عنقه فامتنع الحضور كلهم عن تناول الطعام وبقي ذلك الأعرابي ينظر إلى الحجاج مرة وينظر إلى الحلوة مرة أخر ثم قال : أيها الأمير أوصيك بأولادي خيراً وشرع يأكل سريعا ً فضحك الحجاج حتى استلقى وأمر له بصلة ـ ذات مرة والحجاج يخطب فأطال بخطبته . فقام رجل فقال: الصلاة َ ، فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك . فأمر بجبسه فأتاه قومه فزعموا أنه مجنون ، وسألوه أن يخلي سبيله ،فقال الحجاج : إن أقر بالجنون خلّيته ، فقيل له ، فقال : معاذ الله لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني فبلغ ما قوله للحجاج فعفا عنه لصدقهـ قدّم إلى الحجاج أسرى كانوا في ثورة ابن الأشعث فتقدم رجل منهم فقال: أيها الأمير إن لي عليك حقا ً قال: وما حقك علينا. قال: سّبك أبن الأشعث يوما ً فرددت عليه قال: ومن يشهد بهذا؟ فقام أحد الأسرى فشهد بصدق الرجل. فقال له الحجاج وأنت لماذا لم ترد على ابن الأشعث مثله قال: لأنني أبغضك أيها الأمير فأمر الحجاج أن يخلّي عن الأول لحقه وعن الثاني لصدقه وجرأته ـ قال الوليد بن عبد الملك للحجاج هل لك في الشرابفقال: يا أمير المؤمنين ليس بحرام ما أحللته ولكني أمنع أهل عملي منه وأكره أن أخالف قول العبد الصالح وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . فأعفاهـ جاء رجل إلى الحجاج فقال : إن أخي خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمي في الديوان ومتعت العطاء وقد هدمت داري ،فقال الحجاج، أما سمعت قول الشاعرحانيك من يحني عليك وقد يعدي الصحاح مبارك الجرب ولرب مأخوذ بذنب قريبه ونجا المقارف صاحب الذنب ِفقال الرجل: أيها الأمير إني سمعت الله يقول غير هذا وقول الله أصدق من هذا قال : وما قال ؟ قال ( قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا ً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إما إذا ً الظالمون ) قال الحجاج : يا غلام أعد اسمه في الديوان وابن داره واعطه عطاءه ومر منادياً ينادي صدق الله وكذب الشاعر
قال الحجاج يوما ً من كان له بلاء عظميا ً أعطيناه على قدره فقام رجل فقال: اعطني فإني قتلت الحسين فقال وكيف قتلته قال: وسرته بالرمح وسراً وهبرته بالسيف هبراً وما أشركت معي في قتله أحداً فقال الحجاج له : إذ هب فوالله لا تجتمع أنت وهو في موضع واحد ـذكر أنه استسقى الناس مِراراً في زمن الحجاج فلم ينزل المطر، قيل لهم لو دعا شخص لم يترك سنة العصر والسنة الأولى من العشاء لحصل المقصود و إلا ل يحصل وإن دعوتم أربعين مرة ، فتفقدوا فلم يجدوا شخصاً إلا الحجاج نفسه فدعا ونزل مطر عظيم ـ لما ولي الحجاج العراق كان يطعم في كل يوم على ألف مائدة يجمع على كل مائدة عشرة أنفس وكان يرسل الرسل إلى الناس لحضور الطعام فكثر عليه ذلك فقال أيها الناس رسولي إليكم الشمس إذا طلعت فاحضروا للغداء وإذا غربت فاحضروا للعشاء 0فكانوا يفعلون ذلك واستقل الناس يوماً فقال ما بال الناس قد قلّوا فقال رجل أيها الأميرإنك أغنيت الناس في بيوتهم عن الحضور إلى مائدتكفأعجبه ذلك وقال اجلس بارك الله عليك
قيل في الحجاجـ عبد الملك بن مروان ( الحجاج جلدة مابين عينيّ)ـ أبو جعفر المنصور ( غلبنا بنو مروان بثلاث ، الحجاج وعبد الحميد بن يحيى والمؤذن البعلبكيـ عبد الوهاب الثقفي ( الحجاج أول من ضرب درهماً عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام وهي مدينة واسط وأول من اتخذ المحامل وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت ياحجاجاه فاتصل به ذلك فجعل يقول لبيك لبيك وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها0 واتخذ المناظر بينه وبين قزوين )
ـ الشعبي (يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج)

الأربعاء، نوفمبر ٠١، ٢٠٠٦

هل الحجاج أفضل ممن هم الأن

وولى الحجاج بن يوسف العراق دون خراسان وسجستان‏.
وأنبأنا علي بن عبيد الله عن عبد الصمد بن المأمون عن إسماعيل بن سعيد قال‏:‏ خبرنا أبو بكر الأنباري قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عبيد الله قال‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد بن ريان الكلبي عن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ لما اشتدت شوكة أهل العراق وطال وثوبهم بالولاة يحصبونهم ويقصرون بهم أمر عبد الملك فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخطبهم ثم قال‏:‏ أيها الناس إن العراق قد علا لهيبها وسطع وميضها وعظم الخطب فيها فجمرها ذكي وشهابها وري فهل من رجل ينتدب لهم ذي للاح عتيد وقلب شديد فيخمد نيرانها ويبيد شبانها فسكت الناس فوثب الحجاج بن يوسف وقال‏:‏ أنا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ومن أنت قال‏:‏ الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم القريتين قال له‏:‏ اجلس فلست هناك ثم أطرق عبد الملك مليا ثم رفع رأسه وقال‏:‏ من للعراق فسكت الناس فوثب الحجاج وقال‏:‏ أنا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ومن أين أنت قال‏:‏ من قوم رغبت في مناكحتهم قريش ولم يقيت منهم وإعادة الكلام مما ينسب صاحبه إلى العي ولولا ذلك لأعدت الكلام الأول فقال له‏:‏ اجلس فلست هناك‏.‏
ثم أطرق عبد الملك مليًا ورفع رأسه وقال‏:‏ من لأهل العراق فسكت الناس فوثب الحجاج فقال‏:‏ أنا للعراق يا أمير المؤمنين قال‏:‏ وما الذي أعددت لأهل العراق قال‏:‏ ألبس لهم جلد النمر ثم أخوض الغمرات وأقتحم الهلكات فمن نازعني طلبته ومن لحقته قتلته بعجلة وريث وتبسم وازورار وطلاقة واكفهرار ورفق وجفاء وصلة وحرمان فإن استقاموا كنت لهم وليًا حفيًا وإن خالفوا لم أبق منهم أحدًا فهذا ما أعددت لهم يا أمير المؤمنين ولا عليك أن تجربني فإن كنت للطلى قطاعًا وللأرواح نزاعًا وللأموال جماعًا وإلا فقال عبد الملك‏:‏ أنت لها ثم التفت إلى كاتبه وقال‏:‏ اكتب عهده ولا تؤخره واعطه من الرجال والكراع والأموال ما سأل‏.‏
قال عبد الملك بن عمير‏:‏ فبينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذ أتانا آت فقال‏:‏ هذا الحجاج بن يوسف وقد قام أميرًا على العراق فاشرأب الناس نحوه وأفرجوا له إفراجه عن صحن المسجد فإذا نحن به يتنهنس في مشيته عليه عمامة حمراء متلثمًا بها متنكبًا قوسًا عربيًا يؤم المنبر فما زلت أرمقه ببصري حتى صعد المنبر فجلس عليه وما تحدر اللثام عن وجهه وأهل الكوفة يومئذ لهم حال حسنة وهيئة جميلة وعز ومنعة يدخل الرجل منهم المسجد معه عشرة أو عشرون رجلًا من مواليه وأتباعه عليهم الخزوز والقوهية وفي المسجد رجل يقال له عمير بن ضابئ البرجمي فقال لمحمد بن عطارد التميمي‏:‏ هل لك أن أحصبه لك قال‏:‏ لا حتى نسمع كلامه فقال‏:‏ لعن الله بني أمية حيث يستعملون علينا مثل هذا ولقد ضيع العراق حيث يكون مثل هذا أميرًا عليه والله لو أن هذا كله كلام ما كان شيئًا‏.‏
والحجاج ينظر يمنة ويسرة حتى إذا غص المسجد بالناس قال‏:‏ يا أهل العراق أني لأعرف قدر اجتماعكم هل اجتمعتم فقال رجل‏:‏ قد اجتمعنا أصلحك الله فسكت هنيهة لا يتكلم‏.‏
فقال الناس‏:‏ ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر فقام الحجاج فحسر لثامه وقال‏:‏ أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني صليت العود من سلفي نزار لنصل السيف وضاح الجبين وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت رأس الأربعين أخو خمسين مجتمع لشدي ونجدة في مداومة الشؤون وأني لا يعود إلي قرني غداة العين إلا أي حين قال أبو بكر‏:‏ قال أبي‏:‏ والشعر لسحيم بن وثيل الرياحي تمثل به الحجاج والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى‏:‏ هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم وقال‏:‏ قد لفها الليل بعصلبي وشمرت عن ساق سمري أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابي والله يا أهل العراق ما يغمز جانبي كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان ولقد فرزت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وأجريت من الغابة وإن أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها عودًا عودًا فوجدني أمرها عودًا وأشدها مكسرًا فوجهني إليكم فرماكم بي‏.‏
يا أهل الكوفة يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق فإنكم طالما أوضعتم في أودية الفتنة اضطجعتم في منام الظلال وسننتم سنن الغي وأيم الله لألحونكم لحو العود ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غريبة الإبل إني والله لا أحلف إلا بررت ولا أعد إلا وفيت وإياي هذه الزرافات والجماعات وقال وما يقول وكان وما يكون وما أنتم وذاك‏.‏
يا أهل العراق إنما أنتم أهلي ‏
{‏قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف‏}‏ فأتاها وعيد القرآن من ربها فاستوثقوا واعتدلوا ولا تميلوا واسمعوا وأطيعوا وتتابعوا وبايعوا واعلموا أنه ليس مني الإكثار لا الفرار ولا النقار وإنما هو انتضاء هذا السيف ثم لا يغمد في الشتاء ولا الصيف حتى يدل الله لأمير المؤمنين عزكم ويقيم له أودكم وصفوكم ثم إني وجدت الصدق من البر ووجدت البر من الجنة ووجدت الكذب من الفجور ووجدت الفجور من النار وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين قد أمرتكم بذلك وأجلتكم ثلاثًا وأعطيت الله عهدًا يؤاخذني به ويستوفيه مني لئن تخلف رجل منكم بعد قبض عطائه لأضربن عنقه ولأنتهبن ماله ثم التفت إلى أهل الشام فقال‏:‏ يا أهل الشام أنتم الجند والبطانة والعشيرة والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأذفر إنما أنتم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‏}‏‏.‏
ثم أقبل على أهل العراق فقال‏:‏ يا أهل العراق لريحكم أنتن من ريح الأبخر وإنما أنتم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏
{‏ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار‏}‏‏.‏
اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام فقال القارئ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو‏.‏
فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر‏:‏ اسكت يا غلام فسكت القارئ فقال‏:‏ يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام هذا أدب ابن أبيه‏.‏