السبت، أغسطس ٢٥، ٢٠٠٧

العملية الثانية أتراكش إلى الجحيم:

العملية الثانية أتراكش إلى الجحيم:

هرعت أجهزة الأمن تبحث عن هؤلاء الذين أطلقوا الرصاص علي زيفي كيدار و لكن دون جدوى.. لقد ابتلعتهم الأرض، و لم يظهر لهم أي اثر.. و بدأت وسائل الإعلام العالمية تردد اسم ثورة مصر، كتنظيم جديد أصدر بيانا تبني فيه عملية إطلاق الرصاص علي زيفي كيدار .. وحتى ذلك الوقت كان الجميع يطرحون التساؤلات عن المنظمة، و عما إذا كانت سوف تستمر في خطها الذي أعلنته، أم أن ما جري هو من قبيل الدعاية ليس أكثر ولا تخرج عن كونها عملية مقصود بها إحداث فرقعة و حسب، و لكن الأيام تمر.. وساعد التنظيم يقوي ويضم إلي صفوفه شخصيات جديدة، جري كسبها بطريقة سهلة و بسيطة .

لم يكن هناك مجهود كبير تتطلبه عملية كسب العناصر الجديدة للتنظيم ، فقط ما أن يتم شرح أهداف التنظيم لأي من هؤلاء حتى ينتهي الأمر، و هكذا ضم التنظيم نظمي شاهين و حمادة شرف الدين و سامي إبراهيم و آخرين.. كبر ساعد التنظيم و أصبح عليه أن يفكر في عملية جديدة.

في ذلك الوقت كان محمود يقيم بشقة في الحي الثامن بمدينة نصر . و كما هي العادة أقام معسكرا لمدة أسبوع للأعضاء المشاركين في تنفيذ الخطة و في أثناء ذلك كانوا يذهبون إلي مسارح العمليات . و في أوقات متفرقة من نفس اليوم بقصد معاينة المكان و مراقبة " الهدف " و دراسة مخارج و منافذ مسرح العمليات حتى يتم التنفيذ بشكل دقيق.
في هذه المرة كان الهدف الذي حدده التنظيم شخصية إسرائيلية كبيرة ، تركب سيارة فاخرة و تقطن في شارع جانبي علي بعد 400 متر من منزل السفير الإسرائيلي بالمنطقة نفسها . جري تحديد موعد تنفيذ العملية في الثامنة من صباح 20 / 8/1985 و هو الموعد الذي يوافق خروجه إلي عمله بالسفارة.
و كما تقضي الخطة تم شراء سيارة فيات 132 ، قام بشرائها نظمي شاهين و سامي إبراهيم . نزع نظمي صورة خاصة ببطاقة أحد الأشخاص ووضع صورته عليها و اشتري السيارة علي هذا الأساس .


تحرك الأربعة من شقة محمود بسيارتين و لم يكن معهم عصام هذه المرة فقد كان يعالج بعد إطلاق محمود الرصاص عليه ، عندما هدد بخيانة التنظيم .
محمود كان يحمل في هذه العملية طبنجة إسبانية عيار 9مم و بندقية آلية أمريكية . تركوا السيارة الفيات بعيدا عن شقة محمود و لهذا عندما هموا بالرحيل ركبوا جميعا سيارة محمود التويوتا و اتجهوا إلي السيارة الفيات 132 نزل نظمي و أخذ حقيبة السلاح و وضعها في السيارة الفيات و قاد هو هذه السيارة بينما قاد محمود السيارة التويوتا قبل الوصول إلي مسرح العملية ترك محمود سيارته بالقرب من شارع القمر الصناعي تعرفوا علي المكان .. ثم لحق بهم محمود سيرا علي الأقدام حتى لا يثير الشك .. تولي هو قيادة السيارة الفيات و ذهب الجميع إلي حيث الهدف كان السلاح جاهزا للانطلاق ... و قد اتضح أن هناك هدفا آخر ربما توفق فيه المجموعة حيث كان هناك ديبلوماسي إسرائيلي آخر يقطن مع الهدف .

و لكن حدث ما لم يكن متوقعا السيارة ليست بحالة جيدة .. و هم يعرفون ذلك إلا انهم فوجئوا بأن السيارة قد تسرب منها الكثير من الزيت .. أحسوا بالخطر فقرروا تأجيل العملية لحين إصلاح العطب و اتفقوا جميعا علي العودة في صباح اليوم التالي و بينما هم عائدون إلي حيث سيارة محمود التي تركها أمام القمر الصناعي بمنطقة المعادي الجديدة .

شاهد محمود فجأة أتراكش أحد رجال الموساد الإسرائيلي المعروفين له جيدا ، و الذي كان مسئولا عن أنشطة الموساد في إنجلترا في وقت كان فيه محمود يعمل بمكتب المخابرات المصرية في لندن .

كان أتراكش يركب سيارته الفولكس جولف ذات اللون الأزرق و كانت معه سيدتان إسرائيليتان تعملان بالسفارة الإسرائيلية اتضح فيما بعد أن الأولي زوجته و الأخرى سكرتيرته ، و في ثوان معدودة قرر محمود إتمام العملية شعر أتراكش بسيارة محمود تحاول الاحتكاك به نظر في المرآة و قيل أن القلق ظهر علي ملامحه و كأنه تعرف على محمود فلم ينطق و لم يتكلم و لكن محمود كان قد ضيق عليه الخناق و أغلق عليه الطريق و دفعه إلي جوار الرصيف علي بعد حوالي مائة متر من سكن السفير الإسرائيلي بالمعادي في ذلك الوقت كان يقف في منتصف الشارع مساعد شرطة شاهد الحادث نزل سامي إبراهيم من السيارة قبل أن تقف سيارة أتراكش بثوان قليلة أفرغ ما في بندقيته الآلية الأمريكية باتجاه سيارة أتراكش ، نظمي شاهين من الجانب الآخر أطلق رصاصته و نفس الأمر فعله حمادة شرف الدين الذي كان يجلس إلي الخلف من محمود .. تأكدوا من مصرع أتراكش علي الأقل ، صعد سامي إلي السيارة التف محمود بهما و عاد راجعا إلي المعادي و كأن شيئا لم يحدث

ساروا بسرعة جنونية انحرفوا يمينا و تركوا شارع 18 إلي شارع النهضة .. كانت السيارة الفيات 132 التي يستقلونها تحمل أرقام 719684 و رغم أن عددا كبيرا من سكان المنطقة شاهدوا الحادث فإنهم لم يدلوا بأية أوصاف قد تقود إلي أعضاء التنظيم !
نزلوا من السيارة بعد أن تركوها عند تقاطع شارعي 59 ، 75 بالمعادي الجديدة .. و انطلقوا باتجاه شارع القمر الصناعي .. نزلوا منها حاملين حقائب السلاح في أيديهم و اتجهوا إلي شارع 275 حيث كان هناك سيارة في انتظارهم .. و لم تكن تلك سوي السيارة التويوتا التي انطلقت بهم إلي مدينة نصر .

و بعد ذلك بفترة جاءت قوات البوليس و عثرت بالمصادفة علي السيارة التي كانت بها آثار دماء من بعض الإسرائيليين الذين أطلق عليهم الرصاص .
كان المشهد مذهلا أصاب الجميع بحالة من الذهول .. و أول من أصيب هو المساعد علي احمد يحيي المساعد بقسم شرطة المعادي و هو من ضمن قوة الحراسة الخاصة بقسم المعادي و من سوء قدره أنه مكلف بحراسة منزل السفير الإسرائيلي رقم 18 بشارع بور سعيد و هو يقوم بتسلم عمله بشكل دوري كل يوم في السابعة صباحا .
و في 20 / 8 / 1985 توجه الرجل إلي مكان عمله المعتاد , معه اثنان من رجال الشرطة ( درجة ثانية ) أحدهما يدعي سيد و الآخر كمال و كالعادة فإنه عندما يصل المساعد علي كل يوم يقوم في بداية خدمته بالمرور حول فيلا السفير الإسرائيلي كنوع من التمام الدوري .
و بعد أن أنهي تلك المهمة .. وقف أمام منزل السفير حيث الشارع في المواجهة و ضمن ما قاله في محضر النيابة : إنه بينما كنت واقفا سمعت صوت انطلاق أعيرة نارية يقدر عددها من 15 إلي 20 طلقة متتالية و دفعة واحدة فتوجهت إلي مصدر الصوت و قمت بالجري في شارع بور سعيد حيث شاهدت علي ناصية شارع 18 السيارة المضروبة .
سأله رئيس النيابة:
- و ما الذي شاهدته فور وصولك إلي مكان الحادث ؟
- شفت عربية واقفة على ناصية شارع 18 وشارع بور سعيد وبجوارها واحدة واقفة بتصرخ وبتشاور بإيديها وواحدة تانية قاعدة على الرصيف وواحد جوه العربية.
- وما الحالة التي كانت عليها كل من السيدتين؟
- واحدة واقفة جنب السيارة كانت مصابة في وجهها وذراعها واللي قاعدة على الرصيف كان شعرها مغطي وجهها واللي جوه السيارة كان نايم على الدريكسيون وشفت دم في ظهره.
- وما الحالة التي كانت عليها السيارة؟
- البابين اليمين كانوا مفتوحين والزجاج مكسور.
- هل لاحظت شيئا آخر في السيارة؟
- شفت طلقات فارغة حول السيارة وكان هناك رصاص في أجناب السيارة.
- وما الذي فعلته بعد ذلك ؟
- أبلغت القسم والإسعاف وحولت الطريق والسيارات مشيت في شارع تاني.
- هل المجني عليه معتاد على السير في هذا الطريق ؟
- الطريق ده هو خط سيرهم المعتاد – بالنسبة للإسرائيليين - وهم رايحين شغلهم , إنما المجني عليه ما شفتوش قبل كده.
- ألم تشاهد المجني عليه يتردد على منزل السفير الإسرائيلي؟
- لا
- ما هي المسافة بين منزل السفير الإسرائيلي ومكان الحادث؟
- حوالي 300 متر تقريبا.
- هل سمع أحد آخر أصوات الأعيرة النارية من قوة الحراسة المعينة على منزل السفير الإسرائيلي؟
- كل الحراسة سمعت, لكن مفيش حد جاء , لكن بعد فترة جاء المأمور و ضباط القسم , ومحدش جاء من ضباط الحراسة إلا اثنين ضباط معرفش أسماءهم.
- هل شاهدت وجود أشخاص آخرين عند وصولك لمكان الحادث؟
- لا
في تمام الساعة الثانية والربع من ظهر 20/8/1985 , كانت السفارة الإسرائيلية قد أتمت اتصالاتها مع المسئولين المصريين وكلفت أحد العاملين بها ويدعى (فكتور عزران ) بتسلم جثة أتراكش التي تم نقلها على وجه السرعة إلى فلسطين المحتلة , وتم اصطحاب زوجة أتراكش (إيلانتا أتراكش) و سكرتيرته (مازل مانشي) على ذات الرحلة بقصد إتمام العلاج والوقوف على تفاصيل الحادث لاتخاذ إجراءات مناسبة.

وبينما الأوضاع مقلوبة في الخارج , كان أعضاء التنظيم يحتفلون بنجاح عمليتهم بعد أن أرسلوا بيانهم إلى وكالات الأنباء والصحف.

شوارع المعادي ..مصيدة الجواسيس

شوارع المعادي ..مصيدة الجواسيس
كانوا أربعة رجال ..محمود وشقيقه عصام , العقيد محيي عدلي والمقدم أحمد علي محمود هو رجل مخابرات من الطراز الأول ومحيي وأحمد من ضباط الجيش المشهود لهما بالكفاءةوعصام سائق ماهر للسياراتتحديد الهدف :قاموا بمراقبة السفارة الإسرائيلية ومنها إلى مساكن الإسرائيليين بالمعادي حيث يقطن سفيرهم في شارع بور سعيد , عرفوا أن سياراتهم تحمل أرقام 114 دبلوماسية وحددوا أهدافهم من رجال الموسادجولات التدريب:ذهبوا إلى القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي لتجريب السلاح ( رشاش عوزي إسرائيلي – بندقية آلية – مسدس أسباني) الذي لم يكن بالكفاءة المطلوبةفترة المراقبة:دامت أكثر من أسبوعين , يخرجون في الصباح الباكر ليراقبوا سيارات السفارة وهي في الطريق إليها وينتظرونها وهي عائدة إلى مساكن أعضاء السفارة وكانوا يراقبون كل المنافذ المؤدية إلى السفارة من و إلى المعاديتقع السفارة الإسرائيلية في نهاية كوبري الجامعة وتعتبر على يمين القادم من الكوبري باتجاه جامعة القاهرة حيث يقع مدخل العمارة التي تتخذ السفارة من الأدوار النهائية فيها مقرا لها , هناك ممر يصل ما بين شارع الجزيرة إلى الميدان الذي يتوسطه تمثال (نهضة مصر) أمام حديقة الحيوان و الممر يوجد أسفل الكوبري و قد تم إغلاقه منذ اتخذت السفارة مقرا لها بهذه المنطقة . رجال الشرطة متناثرون في كل اتجاه يدققون في القادمين و يوقفون من يشتبه فيه . هناك جراج للعمارة توضع به سيارات السفارة و حولها حراسة مشددة خوفا من إحداث أية عمليات تخريبية بها .. اختار التنظيم " زيفي كيدار" مسئول أمن السفارة الإسرائيلية و أحد رجال الموساد ليكون هدفهم الأول .. راقبوا تحركاته .. الخطة كانت تستلزم وضعه تحت المراقبة جيدا .. و في أثناء المراقبة التي كانت تجري في شارع 210 بمنطقة دجلة بالمعادي حيث العقار رقم 1 ، بعض الإسرائيليين الذين كانوا يرقصون و يشربون الخمر علي أنغام الديسكو و بصوت واضح سمعه الجميع .. لم يراعوا حرمة شهر رمضان المعظم .. و كان المارة يرونهم في الشرفة الواسعة من أسفل الشارع . هذا المشهد استفز المقدم أحمد علي ، طلب من محمود السماح له بإطلاق رصاص بندقيته الآلية عليهم ، لكن محمود طلب منه التمهل .....فالمعركة لم تبدأ بعد .التنفيذ:واتفق الرجال على تنفيذ العملية ليلا , ففي المساء كثيرا ما يخرج الإسرائيليون فرادي للسهر و اللهو ، و تلك فرصة مناسبة لتنفيذ العملية بنجاح . و بعد أن استقر الأمر علي ذلك . بدأوا يفكرون في شراء سيارة ينفذون بها عملياتهم المرتقبة كان الاتفاق أن يجري تنفيذ العملية بالسيارة الجديدة ، ثم تترك في مكان جانبي ، حتى إذا ما توصلت إليها الشرطة يكون أيضا من الصعب التوصل عبرها إلي الذين نفذوا العملية . و كان هناك اقتراح آخر بأن تجري سرقة سيارة من أي مكان , تنفذ بها العملية و تترك لتعود إلي صاحبها بعد ذلك . و لكن الأمر استقر في النهاية علي شراء سيارة قديمة . إما من خلال الإعلانات أو من أحد معارض السيارات . و إلي سوق سيارات المعادي الواقع إلي جوار ميدان الحرية بقليل كانت وجهة عصام و معه محيي . ذهبا إلي هناك صباح يوم الجمعة , حيث تقام السوق يومي الجمعة و الأحد من كل أسبوع . كانت الخطة تقضي بدفع جزء كبير من المبلغ , و أن يجري كتابة العقد الابتدائي باسم وهمي قبل التسجيل .و بالفعل فقد استقر الأمر علي شراء سيارة نصر 128 لونها برتقالي . كان محيي يراقب الموقف عن بعد وعصام ينهي إجراءات العقود مع صاحب السيارة الذي لم يسأل عن هويته ولا اهتم بأن يرى بطاقته سار عصام بالسيارة وخلفه محيي عدلي اتجها يمينا إلى كوبري مصر القديمة ثم إلى طريق صلاح سالم ثم إلى مصر الجديدة , ركن عصام السيارة في مكان ما وركب إلى جوار محيي عدلي واتجها إلى منزل محمود خلف مدرسة السلحدار , دفع محمود ثمن السيارة وتم إصلاحها ولصق مادة معتمة على زجاجها .كان التاريخ هو يونيو 1984 وكان شهر رمضان و نزل الأربعة من شقة محمود, محيي وعصام جاءا بالسيارة الفيات 128 من أمام فندق البارون . قام عصام بقيادتها بينما قاد محيي سيارة عصام البيجو 305 أما محمود وأحمد فقد ركبا سيارة محمود التويوتا والتقى الجميع أمام مسجد جمال عبد الناصر فصلوا ركعتين , وتحركوا جميعا على طريق المعادى .سارت السيارات الثلاث وراء بعضها على طريق الأوتوستراد ..وفي أقل من نصف ساعة كانوا قد وصلوا إلى منطقة صقر قريش , بداية المعادي الجديدة من ناحية الأوتوستراد وهناك ترك محمود سيارته التويوتا وقام بقيادة البيجو وتجمع محيي وعصام و أحمد في الفيات 128 وأمام المنطقة التي يسكن فيها الإسرائيليين وقفوا يراقبون الأجواء , وكان محمود قد ترك البيجو في منطقة قريبة , ولمح سيارة 114 دبلوماسية تتجه إلى المقطم وهو في الطريق إلى منطقة دجلة , اتفقوا على أن ينتظروا هذه السيارة.ومر أكثر من أربعين دقيقة ولم تظهر , وبدأ بعض البوابين يشكون في هذه السيارة التي تنتظر منذ ثلثي الساعة وفجأة لمح أحمد علي الهدف (زيفي كيدار) قادما من بعيد .. كان يركب سيارة بيجو 305 لونها كريمي فاتح , نزل محمود من السيارة وظل بعيدا بعض الشيء , جاء الهد ف مسرعا على بعد 50 مترا من العمارة التي يسكن فيها ....تحرك عصام نحوه بالسيارة .نزل الهدف من السيارة باتجاه العقار رقم 1 شارع 210 المعادي وهنا دفع عصام السيارة أمامه وقال له:-
please…
و فجأة انهمر الرصاص كان محمود هو الوحيد خارج السيارة وكان قد صبغ شعره بطريقة معينة بحيث يبدو تارة أسود وتارة أبيض حسب التسريحة و فيما عدا هذا لم يستخدم أحد أي نوع من التنكر. وكان محمود يحمل مسدسا أسبانيا وخنجرا وأحمد كانت من نصيبه البندقية الآلية والرشاش العوزي يحمله محيي . وضع المقدم أحمد فوهة ماسورة بندقيته الآلية على حافة الشباك الخلفي , وأطلق عدة رصاصات باتجاه الهدف الذي بدأ يجري إلى الخلف وبطريقة ملتوية باتجاه مقدمة السيارة حيث كان محمود بانتظاره في البداية لم يطلق المسدس الرصاص , لكن محمود أعاد الكرة وضغط على الزناد مرة ثانية لينطلق الرصاص نحو الهدف الذي كان يحاول استخدام مسدسه لكنه أصيب ولم يتمكن من ذلك .ومع صوت طلقات الرصاص , هرع رجال الأمن المصريين إلى الخارج وهم يطلقون الرصاص بكثافة لكن محمود نجح في الوصول إلى السيارة , كان بابها الخلفي مفتوحا وقفز محمود وأمر عصام بالإسراع حتى لا يصابوا ورفض إطلاق رصاصة واحدة نحو رجال الأمن المصريين .وسلك عصام الطريق الموازي لدجلة ثم عبر مزلقان السكة الحديد وسار موازيا لشارع القمر الصناعي واتجه حيث سيارة البيجو , تركوا الفيات 128 و ركبوها متجهين إلى منطقة البساتين وبالقرب من طريق الأوتوستراد نزل محمود وأحمد واستقلا التويوتا وتجمع الكل بعد ذلك في منزل محمود.أعدوا بيانا باسم تنظيم ثورة مصر ليعلنوا عن العملية , وتم توزيعه على الصحف ووكالات الأنباء .وهكذا كان إطلاق الرصاص على (زيفي كيدار) بداية الولادة 4/6/1984 وكأنهم اختاروا التاريخ بعناية.
إلى اللقاء مع العملية الثانية

محمود نور الدين






كان في عشقه للبلد من أخلص الدراويش
معقولة ماتت إيده القوية
اللي ضحكت بين صوابعها كتير البندقية
وكانت أد جيش ؟!
معقول يكون الفجر ف عينيه الجميلة
مش حيطلع مرة تانية
ولا يغنيش؟!
معقولة نور الدين انطفا
ف لعبة طيش؟!
مات البطل لكن البطولة تعيش



كلمات عطية حسن في رثاء البطل الذي توفاه الله في يوم 16/9/1998 هي المدخل الذي نعبر منه لعالم البطولة والفداء انه محمود نور الدين ... ضابط المخابرات المصري الذي لم يهز قلب الوطن ويثير أوجاعه برحيله المفجع فحسب ... فقد هزه قبل ذلك كثيرا مرة حينما قرر أن يستقيل من عمله ويؤسس تنظيما لمطاردة جواسيس الموساد و مرة حين بدأ أولى عملياته ...ومرة حين قرر توسيعها لتشمل جواسيس أمريكاوكانت البداية لتنظيم عرف فيما بعد باسم ثورة مصر استهدف تصفية عملاء الموساد بشكل أساسي ممن يدخلون البلاد تحت غطاء السياحة او الحصانة الدبلوماسية... ونفذ التنظيم عدة عمليات ناجحة بالفعل ولكن..دائما ما تكون نهاية الفرسان مفجعة ليس لأنهم يرحلون فجأة دون مقدمات، أو لأن مكانهم يظل خاليا لفترة طويلة حتى يظهر فارس آخر، وإنما لأن الطعنة التى تقضى عليهم دائما ما تكون من الخلف وهم عزل، ومن أقرب الناس اليهم.

***محمود نور الدين واحد من فرسان الظل , الذى عاش ومات دون أن يسمع الكثيرون عنه , وقد يرجع ذلك لطبيعه التنظيم الذى قام بإنشاؤه .. ومحمود نور الدين دبلوماسي وضابط مخابرات مصرى, قرر الإستقاله من عمله, وإن لم يترك حياه المخابرات بالكامل, إذ لم يكن قرار إستقالته إلا خطوة أولى فى طريق تكوين تنظيم سرى بإسم "ثورة مصر"
.. وقد إستهدف التنظيم تصفيه عملاء الموساد الذين يدخلون مصر تحت مظله الحمايه الدبلوماسيه ,وهذا النوع من التجسس (العلنى) إستخدمته المخابرات الإسرائيليه والأمريكيه ضد مصر فى فترات عديدة كان أكثرها ظهورا عام 1985 .وتوجد العديد من الشواهد والظواهر التى تؤكد تعاون سفراء أمريكا وإسرائيل مع جواسيس علنين أو متخفين فى الداخل, دون أن تستطيع السلطات (الرسميه) المصريه إتخاذ إجراءات ضدهم نظرا لما يتمتعون به من حمايه دبلوماسيه كفلتها لهم القوانين الدوليه ...

عمل نور الدين لمدة 20 عاما في إنجلترا بالسلك الدبلوماسي المصري بالإضافة إلى دائرة المخابرات، وهو حاصل على وسام للشجاعة أثناء حرب أكتوبر 1973.لكنه قرر بشكل مباغت الاستقالة من عمله بعد أن زار الرئيس السادات القدس المحتلة عام 1977, وركز جهوده على نشر مجلة معادية للسادات في لندن تسمى (23يوليو) وكان يرأس تحريرها محمود السعدنى.
وبين عامي 1980 و1983 تعاون نور الدين مباشرة مع صديقه القديم خالد عبد الناصر نجل الزعيم الراحل، وعاد كلاهما إلى مصر في 1983. وخلال ستة أشهر، بدأ نور الدين تنظيمه المسلح السري الذي أطلق عليه "ثورة مصر".
وكان الهدف الرئيسي للتنظيم تصفيه الكوادر الجواسيس العاملين تحت غطاء السلك الدبلوماسي، لكن بصورة غير رسميه حتى لا تقع مصر فى أزمات دبلوماسيه أو ما شابه ...وبعد عدة عمليات ناجحة، وجد نور الدين نفسه بين المطرقه والسندان ... فمن ناحيه تبحث عنه المخابرات الإسرائيليه (الموساد) بصفته خطرا على عملائها فى مصر, ومن ناحيه أخرى تبحث عنه السلطات المصريه بصفته مهددا لسلامه أشخاص تحت المظله الدبلوماسيه ... كان الوضع صعبا للغايه .. إلا أن رجل المخابرات المحنك لم يتنازل عن هدفه السامى فى إصطياد الجواسيس ...
وهكذا إستمر تنظيم ثورة مصر فى إثارة جنون الموساد بعد عملياته الناجحه الواحدة تلو الأخرى . كان الموساد بكل عيونه وجواسيسه ومحترفيه يفاجأ بضربات نور الدين الموجعه الواحدة تلو الأخرى , وكان إسم تنظيم ثورة مصر يذاع فى وسائل الإعلام مقرونا بعمليات تصفيه للموساد فى مصر منها عمليه قتل مسئول الأمن فى السفارة الإسرائيليه ( زيفى كدار ) الذى أعلن تنظيم ثورة مصر قتله فى يونيو 1985.وكذلك قتل (ألبرت أتراكش) المسئول السابق عن الوساد فى إنجلترا والذى كان يعمل فى مصر , وتم قتله فى أغسطس من نفس العام , وأيضا الهجوم على سيارة إسرائيليه أمام معرض القاهرة الدولي بمدينة نصر فى العام التالى مباشرة ...
إلا أن نور الدين لم يكتفى بهذا القدر من العمليات , بل إمتد نشاطه ليشمل الأمريكيين , وكان يعلم بحكم عمله السابق فى المخابرات المصريه أن الولايات المتحدة هى حليفه إسرائيل , فإستهدف 3 عاملين فى السفارة الأمريكيه فى القاهرة فى مايو 1987 .وهكذا دخلت المخابرات الأمريكيه فى دوامه البحث عن تنظيم ثورة مصر وقائدة محمود نور الدين ...كان الأمر يزداد صعوبه فى وجه تنظيم ثورة مصر الذى تقوم 3 أجهزة مخابرات بتعقبه .. المصريه والأمريكيه والإسرائيليه ...وكانت المخابرات الأمريكيه على إستعداد لدفع ثروة مقابل أى معلومه عن التنظيم ...وللأسف جائتهم المعلومات على طبق من فضه ...
كان لمحمود نور الدين شقيق يدعى عصام , كان يعتبر الرجل رقم 2 فى التنظيم , إلا أن عصام إنحرف و إتجه إلى طريق الإدمان ورفاق السوء .. وهدد عصام أخيه نور الدين بفضح أمر التنظيم للمخابرات إذا لم يعطه أموالا ليشترى بها المخدرات , فلم يكن من نور الدين إلا أن أطلق الرصاص على قدمه كإنذار له على عدم الوشايه بالتنظيم ..إلا أن المخدرات لعبت فى أحد الأيام بعقل عصام , وخيل له الشيطان أن طريقا مفروشا بالورود أمامه إذا قام بالإبلاغ عن شقيقه محمود.إتصل عصام بالسفارة الأمريكيه فى القاهرة , وما أن قال لعامل الإتصال أنه الرجل الثانى فى تنظيم ثورة القاهرة وطلب موعدا للقاء السفير حتى إنقلبت السفارة رأسا على عقب ...وفى غرفه مغلقه ضمت السفير الأمريكى وعصام نور الدين ومسئول المخابرات الأمريكيه وأخر من الموساد , وبعد إجراءات تفتيش طويله لعصام , وبعد تكثيف الحراسه على السفارة كما لو أنها حصن حصين , بدأ عصام على مدار الساعات الأربع يشرح للجميع كيفيه عمل تنظيم ثورة مصر ...كان يشرح لهم كيف يقومون بالعمليات ...ومصادر التمويل ...وطرق التنفيذ ..كل شىء ...أضاف لذلك قيامه بالإتصال أمام مسئولى السفارة بعدد من أعضاء التنظيم لضمان مصداقيه كلامه , ثم ختم سيمفونيه خيانته لأسرته الكبيرة ( الوطن ) وأسرته الصغيرة ( أخيه ) بتقديم ( نوته ) تحتوى على أسماء جميع رجال التنظيم وأرقام هواتفهم وعناوينهم ....وفى النهايه طلب عصام من السفير ثمن كل هذة المعلومات الثمينه ...طلب ثمن الخيانه ...وكان الثمن نصف مليون دولار وجنسيه أمريكيه ....وأوهمه السفير ( كاذبا ) بأن كل طلباته ستكون مجابه ...
وسقط تنظيم ثورة مصر فى ساعات معدودة ...وبدلا من مكافأته، سلم الأمريكيين عصام إلى السلطات المصرية وحوكم وتمت إدانته بـ 15 سنة في السجن، لكن تم فصله عن باقي أعضاء التنظيم بعد ان وسم بالخائن.وتمت محاكمه أعضاء التنظيم, وشملت التهم الموجهة إليهم:
1. القيام بأنشطة عرضت علاقات البلاد بالحكومات الأجنبية للخطر.
2. إغتيال دبلوماسي إسرائيلي في المعادي في 4 يونيو 1984.
3.قتل دبلوماسي إسرائيلي في 20 أغسطس 1985
4. الهجوم ضد السرادق الإسرائيلي في معرض القاهرة التجاري عام 1986.
5. إغتيال الملحق الثقافي الإسرائيلي وجرح إثنان من رفقاء وزير السياحة الإسرائيلي الذي كان يزور السرادق.
6. محاولة إغتيال دبلوماسي أمريكي في 26 مايو 1987.
وكانت حصيلة العمليات: قتيلان إسرائيليان، ستة جرحى إسرائيليين وأثنين أمريكيين.

وحوكم نور الدين مع 10 من المتهمين، من بينهم خالد جمال عبد الناصر، الذي كان خارج البلاد في ذلك الوقت، وحوكم غيابيا بتهم بتمويل المجموعة وتجهيز الأسلحة، لكن تمت تبرئته وأربعة آخرين.وتم تصوير المتهمين خلال المحاكمة كإرهابيين ومدمنو مخدرات.ووضع محمود نور الدين فى السجن ليقضى فيه 11 عاما بعد أن حكم عليه بعقوبة 25 عاما قبل أن يلقى ربه في سجن طره جراء الحمى وبعد أن رفضت سلطات السجن تحويله إلى مستشفى متخصص لإخضاعه لفحوص مدققة لا يمكن أن تجري في مستشفى السجن، طبقا لبيان أصدرته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.وفي 16 سبتمبر 1998 شيع جثمان محمود نور الدين في وداع مهيب عشية الذكرى العشرون لإتفاقيات كامب ديفيد التي أرست أسس العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهي الإتفاقية التي أقسم نور الدين على محاربتها.وعلى الرغم من الحضور الأمني الواضح والمكثف، هتف المشيعون بهتافات معادية لإسرائيل وأحرق العلم الإسرائيلي خلال الجنازة.ويبقى أسم نور الدين في الأذهان وفى العقول والضمائر

الأربعاء، أغسطس ٠٨، ٢٠٠٧