الخميس، يوليو ١٩، ٢٠٠٧

علشان من 12 سنة كنت مكان بتوع الثانوية العامية و علشان الهبل بنعيد المقال ده


لماذا لا يشم عاااااادل الورد

امتحانات التيرم الأول للصف الثاني الابتدائي .. أشق طريقي وسط الزحام نحو اللجنة ممسكًا بكف (مريم) ابنتي الصغير إلى أن أصل للبوابة، فأدفع هذا وذاك من أولياء الأمور الذين يصرون على الوقوف أمام البوابة ليسدوها كأن هذا يجعل أطفالهم أذكى .. وفي النهاية أترك (مريم) لصف من العاملات مخيفات الشكل يناولنها لبعضهن يدًا بيد حتى تغيب في قدس الأقداس بالداخل، الأمر الذي يذكرني بمشهد الأب الذي ترك ابنته رهنًا لدى عصابة المخدرات في فيلم (الباطنية) إلى أن يجلب ثمن الحشيش الذي أخذه..

عدت في موعد الانصراف لآخذها بذات الصعوبة، خاصة مع أحجام الأمهات المرعبة كأنها حروب الديناصورات في العصر الطباشيري .. هنا لاحظت ظواهر عجيبة .. معظم الأمهات لم يعدن لبيوتهن قط وإنما ظللن طيلة فترة الامتحان على الباب يقرأن القرآن .. بعض الأمهات دامعات العيون، وثمة أم ترتجف وتتنفس بسرعة لتزيد قلوية دمها موشكة على الإصابة بحالة هستيرية.. بينما يخرج الأطفال مظفرين وقد بدا عليهم الغرور لأهميتهم المستجدة.. اكتشفت أن الأمهات يحملن جميعًا أسئلة الامتحان ليراجعنها مع الأطفال: جاوبت السؤال ده بإيه ؟.. قلت إيه هو لون القطة ؟.. الحتة دي مش في الكتاب..

ثم يتقلص وجه الأم من صعوبة الأسئلة وتردد بلا انقطاع: ولاد الكلب .. ربنا ينتقم منهم !.. ربنا ينتقم منهم !

سألتهن عن كيفية الحصول على هذه الأسئلة، فدللنني على صاحب مكتبة (شاطر) حصل على ورقة الامتحان وقام بتصويرها، وهو يبيع الورقة بعشرين قرشًا .. برغم إيماني بعبثية الموقف فقد وقفت في الطابور لأبتاع نسخة.. لن أكون الأب الوحيد الذي لم يشتر نسخة من الأسئلة ويكون علي أن أخبر أم العيال بهذا .. فقط رحت أتساءل عن الكيفية التي حصل بها هذا الأخ على أسئلة الامتحان، فلابد أنه يقتسم الأرباح مع أحد الإداريين بالداخل .. عشرون قرشًا في ألف ورقة خلال ساعة.. ليس مبلغًا سيئًا .. دعك من أنه حصل عليها بالتأكيد قبل مرور نصف الوقت كي يتمكن من تصوير كل هذه النسخ ..

عندما عدنا للبيت راجعت مريم الإجابات مع أمها، ثم تفرغت للاتصالات الهاتفية مع صاحباتها .. لماذا لم يشم عادل الورد ؟.. أنا قلت لأن عنده زكام .. مس هناء عدت علينا وقالت هي دي الإجابة الصح .. هكذا ظل الهاتف مشغولاً لمدة ساعتين ..

عندما تأملت في الموقف بعد ما هدأت الأمور وجدت شيئًا غير طبيعي وغير مبرر .. نحن نتكلم عن امتحان نصف العام للصف الثاني الابتدائي !... الصف الثاني الابتدائي !.. هل يستحق الأمر كل هذا الانفعال الزائد والتوتر ؟.. كل هؤلاء الصغار سينجحون بلا شك والمجموع لن يؤثر في مسار حياتهم، وإن لم أكن مخطئًا لن يحرمهم دخول كلية يحبونها..فماذا يصنعون في الثانوية العامة إذن ؟..
عندما لا يتناسب الانفعال مع المناسبة فإن ما تشعر به هو إحساس عارم بالسخف .. رجل يلطم خديه في الشارع لأنه لا يجد علبة الثقاب في جيبه ..

دموع وبكاء ومراجعات في الهاتف .. كل هذا من أجل (لماذا لم يشم عادل الورد ؟) و(ما لون القطة ؟).. هل هذا سلوك فسيولوجي ؟.. هل هذا سلوك عقلاني ؟.. هل هذا طبيعي ؟

في طفولتي – وأزعم أنني نشأت في أسرة مترابطة تهتم بأطفالها – لم يكن أحد يعلق أية أهمية على امتحانات من هذا النوع وبهذا الحجم .. في هذا الوقت كنت في مدرسة مجانية، ولم تكن (الأبله) قد أصيبت بذلك المرض المريع الذي حولها إلى (مس)، ولم تكن أعراض التحول إلى (مستر) قد أصابت الأستاذ .. كان المعلمون قومًا بارعين في مهنتهم ذوي ضمائر حية وثياب رثة – بالمناسبة - لأنهم لم يكونوا يحصدون الآلاف من الدروس الخصوصية... فقط كنت أخبر أهلي أن لدي امتحانًا غدًا فكانوا يعطونني الورق والأقلام اللازمة وينسون الأمر، ولم تبدأ هذه الهستيريا إلا مع دخولي الشهادة الابتدائية .. بدأت مع كثير من التحفظ ..

ما سبب هذا الذعر العام ؟

جاءني الجواب على الفور .. إنه الفراغ الروحي .. المصريون يفتقرون إلى مشروع قومي يضمهم ويوحد مشاعرهم
لهذا يختلقون أي مشروع حتى لو كان (لماذا لم يشم عادل الورد ؟).. إنها الضغوط النفسية والاقتصادية والعاطفية والدينية تحاصر المصري الذي لا يجد طريقة لإخراجها إلا على باب اللجان .. فلابد من شماعة .. لابد من قناة لخروج كل هذا الضغط .. هكذا لا يجد المصري هدفًا إلا ذلك الطفل البائس ذا سبع السنوات الذي تقع على كتفيه الصغيرتين مسئولية كل شيء يحدث للأبوين .. وبما أن العصاب معد، فإن هذا التوتر ينتقل للطفل مع الوقت .. سوف يذهب إلى الامتحان شاعرًا بأنه مسئول عن آمال أمة وأحلام وطن .. وسوف يرتجف ويتوتر ويقضي الساعات على الهاتف يناقش لون القطة مع أصحابه .. اثنتا عشرة سنة من التوتر، ثم ينتهي وقوده في الثانوية العامة فلا يظفر إلا بخمسة وثمانين في المائة بعد كل هذه الصراخ . (بالمناسبة انا جبت 87 % و دخلت بيها هندسة -تعليق من اليعسوب-)

الشخصية المصرية تعاني درجة عالية من التوتر العاطفي الذي يبحث عن مخرج .. مثلاً قد يأخذ هذا المخرج شكل توتر لا مبرر له كالذي رأيته على باب اللجنة .. هناك هواية صنع أبطال حتى لو كانوا من عينة شعبان عبد الرحيم لمجرد أنه قال (أنا باكره إسرائيل)...

د.(درية شرف الدين) شخصية عظيمة تظفر باحترام غالبية الناس، وقد تولت لفترة من الفترات رئاسة الرقابة على المصنفات ثم اضطرت للاستقالة بسبب ظروف خاصة .. هذا هو كل شيء .. ما حدث هو أن كثيرين حولوها لبطل قومي وأرسل أحدهم لجريدة يقول: هذه السيدة احترمت نفسها ورفضت أن تشارك في كل هذا الفساد فاستقالت !.. الغريب أنها لم تزعم شيئًا من هذا، وكل ما قالته هو أن ظروفها لا تسمح .. لكنه ذلك الجوع إلى بطل يحمل عنا العبء النفسي ويدفع ثمن أرواحنا..

الغضبة العارمة في قضية الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية عظيمة ومفهومة، ولكن أين غضباتكم على نهب مصر وتزوير الانتخابات وتعرية الصحفيات وعلى احتلال العراق الذي يهين المصاحف في دورات المياه ؟. يحتاج الأمر إلى عالم اجتماع يفسر لنا هذا التناقض السلوكي عندما يهان الدين بيد الولايات المتحدة وعندما يهان بيد الدانمرك.

اتصلت بصديقي لأخبره بهذه الخواطر فوجدت الخط مشغولاً.. طلبته عدة مرات على مدى ساعة، وفي النهاية عرفت أن زوجته كانت تجري مكالمة طويلة مع أم (ندى) زميلة ابنته الطالبة في الصف الأول الابتدائي .. السبب هو أنهم - أولئك الأوغاد في المدرسة – قد أنقصوا درجتين من نتيجة الفتاة لأنها قالت إن لون القطة أسود بينما كتاب الوزارة يؤكد أنها بيضاء !..
الأم مصرة على تقديم شكوى وإعادة تصحيح الأوراق، بينما زوجة صديقي تقنعها أن كتاب الوزارة هو الحجة الأخيرة .. ما دام قال بيضاء يبقى بيضاء ... ثم أن هؤلاء لن ينصفوك أبدًا لأن التعليمات تقضي بأن يقللوا عدد من يدخلون الجامعات !

هكذا أنهت أم (ندى) المكالمة، ولن اندهش لو عرفت أنها ابتلعت أقراص الأسبيرين لتقتل نفسها بعد ما فقدت كل أمل في الغد ...


مصر تتحول يومًا بعد يوم إلى مستشفى مجانين كبير .. هل يدرك أحد هذه الحقيقة قبل فوات الأوان ؟

ليست هناك تعليقات: