· المسلمون بعيدون عن يوليان. ففكر يوليان و قال: إن الأرض تتآكل من حولي، فقد أخذ المسلمون يتكاثرون من حولي ، فلو صبرت اليوم فلن أصبر غداً أو بعد غد على حرب المسلمين فترة طويلة.· و كان يوليان يحقد كثيراً على لوذريق لأن لوذريق قتل غيطشة و كانت هناك علاقات طيبة جداً بين غيطشة و يوليان و استنجد أولاد غيطشة بيوليان ليساعدهم في حرب لوذريق.· ففكر يوليان أنه لو استولى المسلمون على ميناء سبتة فأين يذهب و الأندلس يحكمها لوذريق؟· كان لأولاد غيطشة ضياع و أراضي في الأندلس صادرها لوذريق. و قد أذاق لوذريق الشعب الأمرين و فرض عليهم الكثير من الضرائب و كان يعذبهم و يعيش في رغد من العيش و شعبه في فقر مدقع.فبينما كان يجلس طارق بن زياد والي طنجه رحمه الله في ميناء طنجة على بعد عدة كيلومترات من ميناء سبتة، يجد رسلاً قادمةً إليه من طرف يوليان لتتفاوض معه.وجد طارق بن زياد أمامه عرضاً يقدمه يوليان من تدبير الله سبحانه و تعالى:يقول له سوف أعرض عليك 3 أمور :· أن أسلمك ميناء سبتة (وكان المسلمون قد مكثوا سنيناً لا يستطيعون فتح ميناء سبتة).· سأمدك ببعض السفن التي تساعد جيشك في عبور جبل طارق إلى الأندلس.· سوف أعطيك معلومات كافية عن أرض الأندلس.و المقابل هو :يريد يوليان ضيعات و أملاك غيطشة فله 3000 ضيعة مصادرة من قبل لوذريق.(نقول في مثل هذه الحالات : لقد استنفذ موسى بن نصير و طارق بن زياد وسعهما و لذا يجازيهما الله خيراً و يوفقهما في حل مشاكل الفتح حتى من عند أعدائهما)انظر إلى تدبير سبحانه و تعالى المحكمأي أن يوليان يقول لطارق بن زياد أنت تفتح بلاد الأندلس و تحكمها و نحن نسمع و نطيع لك على أن تعطينا هذه الضيعات و هذه الأملاك.سعد طارق بن زياد سعادة جمة. ما أهون الثمن، لم يفكر المسلمون أبداً في مغنم عند فتحهم هذه البلاد و لم يفكروا في مال و لا ثروة. و لكن كل ما يريدون هو أن يعلّموا الناس الإسلام. كان لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين. بل لو دفعوا الجزية للمسلمين يترك لهم كل ما كان في أيديهم.يخبر طارق بن زياد قائده موسى بن نصير بهذا الأمر و كان موسى بن نصير حينئذ في القيروان فيسر بذلك سروراً عظيماً و يبعث برسالة إلى الوليد بن عبد الملك خليفة المسلمين في ذلك الوقت فيسمح له الوليد بن عبد الملك رحمه الله بعبور بلاد الأندلس لكن يشترط عليه شرطاً ما كان يفكر فيه موسى بن نصير، و كان هذا الشرط هو أن لا يدخل بلاد الأندلس إلاّ بعد أن يختبرها بسرية من سرايا المسلمين. فلا يعتمد على شرح يوليان لبلاد الأندلس قد تسترشد بهذا الأمر فقط و لكن لا تعتمد عليه فقد يخون عهده و يتفق من ورائك مع لوذريق أو غيره.جهزّ موسى بن نصير رحمه الله سريّة من 500 رجل على رأسهم طريف بن مالك أو طريف بن ملوك على اختلاف الروايات و هو من البربر.معظم قادة هذه المنطقة هم من البربر حديثي الإسلام. لكن الإسلام غيّرهم كثيراً.... أخذ طريف بن مالك خمسمائة من المسلمين و عبر بهم من المغرب إلى الأندلس في رمضان سنة 91هـ . و بدأ يدرس منطقة الأندلس الجنوبية و هي المنطقة التي سوف ينزل بها جيش المسلمين ثم عاد بنجاح إلى موسى بن نصير و شرح له جغرافيّة هذه المنطقة.مكث موسى بن نصير بعد عودة طريف بن مالك في أناة شديدة و لمدة عام كامل يجهز جيشاً و يعد العدة حتى أعد في خلال هذه السنة 7000 مقاتل ولىّ عليهم طارق بن زياد رحمه الله.بدأ عبور مضيق جبل طارق في شعبان سنة 92 من الهجرة و نزلوا على جبل عرف في التاريخ بعد ذلك باسم جبل طارق ثم انتقل منه بعد ذلك إلى منطقه تسمّى الجزيرة الخضراء و هناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس.لم يقابل لوذريق و جيشه و لكن كانت هناك حامية في الجنوب و عرض عليهم أموراً فقال:· إمّا أن تدخلوا في الإسلام و لكم ما لنا و عليكم ما علينا و نترك كل أملاككم في أيديكم على أن تدينوا بدين الله سبحانه و تعالى.· أو تدفعوا الجزية للمسلمين و نترك لكم كل ما في أيديكم و تظلّوا على دينكم .· أو أن تدخلوا معنا في قتال.و لا نؤخركم إلا ثلاث...... أخذت العزة بالنصارى القوط الموجودين في هذا المكان فبدأوا في قتال المسلمين فقاتلهم طارق بن زياد رحمه الله فانتصر عليهم.كانت الحرب سجالاً بين الفريقين و كان جيش القوط في هذه المنطقة ليس كبيراً فلم يكن جلّ الجيش في هذه المنطقة فانتصر عليهم طارق بن زياد.أرسل زعيم القوط المحاربين رسالة إلى لوذريق في طليطلة. و كانت طليطلة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن و تقع في منتصف بلاد الأندلس. و قال له أدركنا يا لوذريق فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء).فلم تكن هذه الشروط معتادة لديهم من قبل فكانوا يعتادون على أن الفاتح لأي بلد يأخذ خيراته و ثرواته ثم يقتل و يذبح و يترك البلد. ثم إنهم في ليلهم من القوّام لله سبحانه و تعالى أي أنهم فرسان بالنهار رهبان بالليل.وصلت الأخبار إلى لوذريق و أخذته العزة و جن جنونه و جمع من الناس مائة ألف مقاتل من الفرسان و جاء بهم من الشمال إلى الجنوب...... كان الـ7000 مجاهد من المسلمين جلّهم من الرجّالة و معهم خيل قليل. و أمامهم مائة ألف رجل.أرسل طارق بن زياد إلى موسى بن نصير رسالة يطلب منهم المدد فأرسل له موسى بن نصير 5000 رجل جلّهم من الرجّالة على رأسهم طريف بن مالك رحمه الله الذي اكتشف أرض الأندلس قبل عام من ذلك.أصبح قوام جيش المسلمين اثناعشر ألف مقاتل. تجول طارق بن زياد في المنطقة ليبحث عن منطقة تصلح للقتال فوجد منطقة تسمى وادي برباط و قد تجد في بعض المراجع أنّها تسمى وادي لكّه سواء بضم اللام أو كسرها.وجد أن هذا المكان مكاناً مناسباً لأن خلفه و عن يمينه جبل ضخم جداً فلا يستطيع أحد أن يلتف حوله. و عن يساره بحيرة عظيمة جداً فلا يستطيع أحد أن يلتفّ حوله من جهة اليسار فوضع في الطرف الجنوبي لهذا الوادي فرقة لحمايته بقيادة طريف بن مالك حتى لا يدخل عليه أحد من هذا المدخل الجنوبي فيباغت ظهر المسلمين. و ترك أمامه الشمال مفتوحاً للنصارى ليستدرجهم للقتال، و انتظر في هذا المكان.جاء لوذريق و معه مائة ألف فارس و جاءوا و معهم البغال محمّلة بالحبال!!!! لماذا أتى بالحبال؟؟؟؟ لأنه تخيل أنه سيهزم هذه القلة القليلة الغير مجهزة من المسلمين و يأخذهم عبيداً موثقين بالحبال.يتم اللقاء في 28 رمضان سنة 92 هـ و تدور معركة من أشرس المعارك!!!!!!! شتّان بين فريق خرج طائعاً مختاراً راغباً في الجهاد و بين فريق خرج مضطراً مكرهاً، و بين فريق أسمى أمانيّه أن يعود إلى أهله و ماله، شتّان بين فريق يقف فيه الجميع صفاً واحداً كصفوف الصلاة، الغنّي بجوار الفقير و الوزير بجوار الغفير و الحاكم بجوار المحكوم، و بين فريق يملك فيه بعض الناس الآخرين و يستعبد بعضهم بعضاً. هذا فريق له قائد ربّاني هو طارق بن زياد جمع بين التقوى و الحكمة و جمع بين القوة و الرحمة و جمع بين العزة و التواضع. و هذا فريق له قائد ألهب ظهر شعبه بالسياط و كان متسلطاً مغروراً و عاش منعماً و شعبه فقير.هذا فريق إذا انتصر فله أربعة أخماس الغنائم و هذا فريق لا يأخذ شيئاً بل يذهب كل شيء إلى الحاكم. هذا فريق يؤيده خالق الكون سبحانه و تعالى. و هذا فريق يحارب ربه.دارت الموقعة ابتداءاً من 28 رمضان و استمرت 8 أيّام متصلة تخللها عيد الفطر المبارك و أمواج من النصارى تنهمر على المسلمين و المسلمون صابرون.ثمّ من الله على المسلمين بالنصر بعد أن علم صدق إيمانهم و صبرهم على القتال الطويل 8 أيام متصلة و قتل لوذريق في هذه الموقعة و فرّ في رواية إلى الشمال لكن اختفى ذكره من الوجود.بدأت الأندلس تفتح صفحة جديدة من الفتح الإسلامي الراقي المتحضر و غنم المسلمون غنائم كثيرة جداً في موقعة وادي برباط كان أهم هذه الغنائم الخيول فأصبح الجيش الإسلامي كله خيّالة بعد أن كان جلّه رجّالة.لكن هل كان هذا بلا ثمن؟استشهد من المسلمين 3000 مقاتل روت دماؤهم أرض الأندلس و أوصلت هذا الدين إلى الندلس و أوصلته إلينا و لغيرنا. فلم يأت إلينا هذا الدين بتضحيات بسيطة و لكنّه وصل إلينا بتضحيات غالية جداً.قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى في فتح بلاد الأندلس نتناقش في قضية هامة جداً، و هي قضية حرق طارق بن زياد للسفن التي عبر بها من المغرب إلى بلاد الأندلس.و هي قصة اشتهرت كثيراً في التاريخ الإسلامي و التاريخ الأوروبي. ، و يقال أن طارق بن زياد حرق السفن التي عبر بها من المغرب إلى بلاد الأندلس ليحمس الجيش و قال لهم: البحر من ورائكم و العدو أمامكم فليس لكم نجاة إلا في السيوف.و الحق أن هذه الرواية لا يجب أبداً أن تستقيم و هي من الروايات الباطلة التي أدخلت إدخالاً على تاريخ المسلمين، و ذلك للأسباب الآتية:أولا:أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي. لأن عندنا علم الرجال و علم الجرح و التعديل و لا بد أن تكون الرواية منقولة عن طريق أناس موثوق فيهم.فهذه الرواية لم ترد أبداً أبداً في روايات المسلمين الموثوق في تأريخها، إنما جاءت فقط في الروايات الأوروربيّه.ثانياً:أنه لو حدث فعلاً حرق لهذه السفن كان لا بد أن يحدث رد فعل من موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك سؤالاً عن هذه الواقعة. فلا بد أن يكون هناك حوار بين موسى بن نصير و بين طارق بن زياد حول هذه القضية. و لابد أن يكون هناك تعليق من الوليد بن عبد الملك و لا بد أن يكون هناك تعليق من علماء المسلمين: هل يجوز هذا الفعل أم لا يجوز. و لذلك فإن الكتب اختفى منها رد الفعل تماماً مما يعطي شكاً كبيراً في حدوتها.ثالثاً:أن المصادر الأوروبيّة قد أشاعت هذا الأمر لأن الأوروبيين لا يستطيعون تفسير كيف انتصر 12 ألف من الرجال الرجّالة على 100 ألف فارس في بلادهم و عقر دارهم و في أرض عرفوها و هم من الخيّالية. فقالوا أن طارق بن زياد حرق سفنه ليجبر الجنود على القتال فانتصروا، لأن الأوروبيين لا يستطيعون فهم القاعدة القرآنية "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله و الله مع الصابرين" بل إن الأصل المتكرر في معظم المعارك الإسلاميّة أن يكون المسلمون قلّة و أن يكون الكافرون كثرة و أن ينتصر المسلمون بهذا العدد القليل .بل إنه من العجب العجاب أنه لو زاد أعداد المسلمين إنهزموا كما حدث في حنين" و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئاً).رابعاً:أن المسلمين لا يحتاجون إلى تحميس بحرق السفن فقد جاءوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله طالبين الموت في سبيل الله فلا حاجة للقائد أن يحمس المسلمين بحرق السفن.خامساً:ليس من المعقول أن قائداً محنكاً مثل طارق بن زياد رحمه الله يحرق سفنه و يحرق خط الرجعة عليه. ماذا لو انهزم المسلمون في معركة من المعارك، يقول تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار و من يولهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد ناء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير". أي أنّ هناك احتمال أن ينسحب المسلمون من ميدان المعركة إمّا تحيزاً إلى فئة و فئة المسلمين كانت في المغرب في الشمال الأفريقي فكيف يقطع طارق بن زياد على نفسه طريق الإنحياز إلى فئة المسلمين أو يقطع على على نفسه التحرف إلى قتال جديد و الاستعداد إلى قتال جديد.فإن مسألة الحرق هذه فيها تجاوز شرعي كبير لا يقد عليه رجل في ورع و تقوى و علم و جهاد طارق بن زياد رحمه الله و ما كان علماء المسلمين و حكّامهم ليسكتوا على هذا الفعل إن حدث.سادساً:إن طارق بن زياد لا يملك كل السفن بل كانت مؤجّرة من يوليان و كان طارق بن زياد يعطيه أجره عن هذه السفن و كان سوف يردّها إليه عندما يرجع إلى ميناء سبتة فليس من حق طارق بن زياد أن يحرق هذه السفن.لكل هذه الأمور نقول أن قصة حرق السفن هي قصة مختلقة أشيعت لتهون من فتح الأندلس.ما هو الموقف بعد موقعة وادي برباط ؟· طارق بن زياد يعلم أن أفضل الفرص لفتح بلاد الأندلس هي هذه الفرصة و لكنّه يجد أنّ الروح المعنويّة عند جيشه عالية جداً فقد انتصر 12 ألف على 100 ألف و الروح المعنوية عند القوطيين في الحضيض فقد قتل منه كثير و تفرّق منه بالفرار الكثير.· علم طارق بن زياد أن هذه فرصة سانحة ليعلم الناس دين الله سبحانه و تعالى، و أن عليه أن ينتهز فرصة أن يوليان متحالف معه و قد ينقض عهده بع ذلك و لذلك عليه أن ينتهز الفرصة و يفتح بلاد الأندلس.· توجه طارق بن زياد بجيشه شمالاً و منها اتجه إلى إشبيليّة و هي أعظم مندن الجنوب على الإطلاق.· عندما اتجه جيش المسلمين إلى أشبيليّة تحقق فيهم قوله صلى الله عليه و سلم كما جاء في صحيح البخاريّ " نصرت بالرعب مسيرة شهر" ففتحت المدينة أبوابها للمسلمين دون قتال و صالحت على الجزية.و لكن ما مفهوم الجزية:· الجزية هي ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامةأو المجوس أو حتى المشركين في آراء بعض الفقهاء. يدفعون الجزية كي يدافع عنهم المسلمون. لا يحمل الذين يدفعون الجزية سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم و لكن يجب أن يدافع عنهم المسلمون. و إذا فشل المسلمون في الدفاع عنهم ردّت إليهم الجزية.· تؤخذ الجزية من الرجال فقط و لا تؤخذ من النساء و لا الأطفال و لا الشيوخ و لا أصحاب العاهات و لا المرضى و لا الرجل المعتكف للعبادة و لا الفقير. بمعنى أدق فهي تؤخذ من القادرين على القتال.... بل إن الفقير غير المسلم قد يأخذ من بيت مال المسلمين.· الجزية في مقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون بل هي أقل بكثير مما يدفعه المسلمون. فكان الرجل الذي يدفع الجزية يدفع دينار واحد في السنة بينما كان المسلم يدفع 5ر2% من ماله إن كان قد بلغ النصاب و حال عليه الحول..... و في حالة إذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية و في حالة إذا اشترك مع المسلمين في القتال دفعوا له أجره.· الجزية كانت أقل بكثير من الضرائب التي كان يدفعها أصحاب الحكم في بلادهم. بل إن الزكاة نفسها أقل من أي ضريبة في العالم. فهل هناك نسبة ضريبة تبلغ 5ر2% فقط؟_____________انتظرونا مع انطلاقة طارق بن زياد
الثلاثاء، ديسمبر ١٩، ٢٠٠٦
الأندلس من الفتح إلي السقوط - (2) الفتح الإسلامي
· المسلمون بعيدون عن يوليان. ففكر يوليان و قال: إن الأرض تتآكل من حولي، فقد أخذ المسلمون يتكاثرون من حولي ، فلو صبرت اليوم فلن أصبر غداً أو بعد غد على حرب المسلمين فترة طويلة.· و كان يوليان يحقد كثيراً على لوذريق لأن لوذريق قتل غيطشة و كانت هناك علاقات طيبة جداً بين غيطشة و يوليان و استنجد أولاد غيطشة بيوليان ليساعدهم في حرب لوذريق.· ففكر يوليان أنه لو استولى المسلمون على ميناء سبتة فأين يذهب و الأندلس يحكمها لوذريق؟· كان لأولاد غيطشة ضياع و أراضي في الأندلس صادرها لوذريق. و قد أذاق لوذريق الشعب الأمرين و فرض عليهم الكثير من الضرائب و كان يعذبهم و يعيش في رغد من العيش و شعبه في فقر مدقع.فبينما كان يجلس طارق بن زياد والي طنجه رحمه الله في ميناء طنجة على بعد عدة كيلومترات من ميناء سبتة، يجد رسلاً قادمةً إليه من طرف يوليان لتتفاوض معه.وجد طارق بن زياد أمامه عرضاً يقدمه يوليان من تدبير الله سبحانه و تعالى:يقول له سوف أعرض عليك 3 أمور :· أن أسلمك ميناء سبتة (وكان المسلمون قد مكثوا سنيناً لا يستطيعون فتح ميناء سبتة).· سأمدك ببعض السفن التي تساعد جيشك في عبور جبل طارق إلى الأندلس.· سوف أعطيك معلومات كافية عن أرض الأندلس.و المقابل هو :يريد يوليان ضيعات و أملاك غيطشة فله 3000 ضيعة مصادرة من قبل لوذريق.(نقول في مثل هذه الحالات : لقد استنفذ موسى بن نصير و طارق بن زياد وسعهما و لذا يجازيهما الله خيراً و يوفقهما في حل مشاكل الفتح حتى من عند أعدائهما)انظر إلى تدبير سبحانه و تعالى المحكمأي أن يوليان يقول لطارق بن زياد أنت تفتح بلاد الأندلس و تحكمها و نحن نسمع و نطيع لك على أن تعطينا هذه الضيعات و هذه الأملاك.سعد طارق بن زياد سعادة جمة. ما أهون الثمن، لم يفكر المسلمون أبداً في مغنم عند فتحهم هذه البلاد و لم يفكروا في مال و لا ثروة. و لكن كل ما يريدون هو أن يعلّموا الناس الإسلام. كان لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين. بل لو دفعوا الجزية للمسلمين يترك لهم كل ما كان في أيديهم.يخبر طارق بن زياد قائده موسى بن نصير بهذا الأمر و كان موسى بن نصير حينئذ في القيروان فيسر بذلك سروراً عظيماً و يبعث برسالة إلى الوليد بن عبد الملك خليفة المسلمين في ذلك الوقت فيسمح له الوليد بن عبد الملك رحمه الله بعبور بلاد الأندلس لكن يشترط عليه شرطاً ما كان يفكر فيه موسى بن نصير، و كان هذا الشرط هو أن لا يدخل بلاد الأندلس إلاّ بعد أن يختبرها بسرية من سرايا المسلمين. فلا يعتمد على شرح يوليان لبلاد الأندلس قد تسترشد بهذا الأمر فقط و لكن لا تعتمد عليه فقد يخون عهده و يتفق من ورائك مع لوذريق أو غيره.جهزّ موسى بن نصير رحمه الله سريّة من 500 رجل على رأسهم طريف بن مالك أو طريف بن ملوك على اختلاف الروايات و هو من البربر.معظم قادة هذه المنطقة هم من البربر حديثي الإسلام. لكن الإسلام غيّرهم كثيراً.... أخذ طريف بن مالك خمسمائة من المسلمين و عبر بهم من المغرب إلى الأندلس في رمضان سنة 91هـ . و بدأ يدرس منطقة الأندلس الجنوبية و هي المنطقة التي سوف ينزل بها جيش المسلمين ثم عاد بنجاح إلى موسى بن نصير و شرح له جغرافيّة هذه المنطقة.مكث موسى بن نصير بعد عودة طريف بن مالك في أناة شديدة و لمدة عام كامل يجهز جيشاً و يعد العدة حتى أعد في خلال هذه السنة 7000 مقاتل ولىّ عليهم طارق بن زياد رحمه الله.بدأ عبور مضيق جبل طارق في شعبان سنة 92 من الهجرة و نزلوا على جبل عرف في التاريخ بعد ذلك باسم جبل طارق ثم انتقل منه بعد ذلك إلى منطقه تسمّى الجزيرة الخضراء و هناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس.لم يقابل لوذريق و جيشه و لكن كانت هناك حامية في الجنوب و عرض عليهم أموراً فقال:· إمّا أن تدخلوا في الإسلام و لكم ما لنا و عليكم ما علينا و نترك كل أملاككم في أيديكم على أن تدينوا بدين الله سبحانه و تعالى.· أو تدفعوا الجزية للمسلمين و نترك لكم كل ما في أيديكم و تظلّوا على دينكم .· أو أن تدخلوا معنا في قتال.و لا نؤخركم إلا ثلاث...... أخذت العزة بالنصارى القوط الموجودين في هذا المكان فبدأوا في قتال المسلمين فقاتلهم طارق بن زياد رحمه الله فانتصر عليهم.كانت الحرب سجالاً بين الفريقين و كان جيش القوط في هذه المنطقة ليس كبيراً فلم يكن جلّ الجيش في هذه المنطقة فانتصر عليهم طارق بن زياد.أرسل زعيم القوط المحاربين رسالة إلى لوذريق في طليطلة. و كانت طليطلة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن و تقع في منتصف بلاد الأندلس. و قال له أدركنا يا لوذريق فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء).فلم تكن هذه الشروط معتادة لديهم من قبل فكانوا يعتادون على أن الفاتح لأي بلد يأخذ خيراته و ثرواته ثم يقتل و يذبح و يترك البلد. ثم إنهم في ليلهم من القوّام لله سبحانه و تعالى أي أنهم فرسان بالنهار رهبان بالليل.وصلت الأخبار إلى لوذريق و أخذته العزة و جن جنونه و جمع من الناس مائة ألف مقاتل من الفرسان و جاء بهم من الشمال إلى الجنوب...... كان الـ7000 مجاهد من المسلمين جلّهم من الرجّالة و معهم خيل قليل. و أمامهم مائة ألف رجل.أرسل طارق بن زياد إلى موسى بن نصير رسالة يطلب منهم المدد فأرسل له موسى بن نصير 5000 رجل جلّهم من الرجّالة على رأسهم طريف بن مالك رحمه الله الذي اكتشف أرض الأندلس قبل عام من ذلك.أصبح قوام جيش المسلمين اثناعشر ألف مقاتل. تجول طارق بن زياد في المنطقة ليبحث عن منطقة تصلح للقتال فوجد منطقة تسمى وادي برباط و قد تجد في بعض المراجع أنّها تسمى وادي لكّه سواء بضم اللام أو كسرها.وجد أن هذا المكان مكاناً مناسباً لأن خلفه و عن يمينه جبل ضخم جداً فلا يستطيع أحد أن يلتف حوله. و عن يساره بحيرة عظيمة جداً فلا يستطيع أحد أن يلتفّ حوله من جهة اليسار فوضع في الطرف الجنوبي لهذا الوادي فرقة لحمايته بقيادة طريف بن مالك حتى لا يدخل عليه أحد من هذا المدخل الجنوبي فيباغت ظهر المسلمين. و ترك أمامه الشمال مفتوحاً للنصارى ليستدرجهم للقتال، و انتظر في هذا المكان.جاء لوذريق و معه مائة ألف فارس و جاءوا و معهم البغال محمّلة بالحبال!!!! لماذا أتى بالحبال؟؟؟؟ لأنه تخيل أنه سيهزم هذه القلة القليلة الغير مجهزة من المسلمين و يأخذهم عبيداً موثقين بالحبال.يتم اللقاء في 28 رمضان سنة 92 هـ و تدور معركة من أشرس المعارك!!!!!!! شتّان بين فريق خرج طائعاً مختاراً راغباً في الجهاد و بين فريق خرج مضطراً مكرهاً، و بين فريق أسمى أمانيّه أن يعود إلى أهله و ماله، شتّان بين فريق يقف فيه الجميع صفاً واحداً كصفوف الصلاة، الغنّي بجوار الفقير و الوزير بجوار الغفير و الحاكم بجوار المحكوم، و بين فريق يملك فيه بعض الناس الآخرين و يستعبد بعضهم بعضاً. هذا فريق له قائد ربّاني هو طارق بن زياد جمع بين التقوى و الحكمة و جمع بين القوة و الرحمة و جمع بين العزة و التواضع. و هذا فريق له قائد ألهب ظهر شعبه بالسياط و كان متسلطاً مغروراً و عاش منعماً و شعبه فقير.هذا فريق إذا انتصر فله أربعة أخماس الغنائم و هذا فريق لا يأخذ شيئاً بل يذهب كل شيء إلى الحاكم. هذا فريق يؤيده خالق الكون سبحانه و تعالى. و هذا فريق يحارب ربه.دارت الموقعة ابتداءاً من 28 رمضان و استمرت 8 أيّام متصلة تخللها عيد الفطر المبارك و أمواج من النصارى تنهمر على المسلمين و المسلمون صابرون.ثمّ من الله على المسلمين بالنصر بعد أن علم صدق إيمانهم و صبرهم على القتال الطويل 8 أيام متصلة و قتل لوذريق في هذه الموقعة و فرّ في رواية إلى الشمال لكن اختفى ذكره من الوجود.بدأت الأندلس تفتح صفحة جديدة من الفتح الإسلامي الراقي المتحضر و غنم المسلمون غنائم كثيرة جداً في موقعة وادي برباط كان أهم هذه الغنائم الخيول فأصبح الجيش الإسلامي كله خيّالة بعد أن كان جلّه رجّالة.لكن هل كان هذا بلا ثمن؟استشهد من المسلمين 3000 مقاتل روت دماؤهم أرض الأندلس و أوصلت هذا الدين إلى الندلس و أوصلته إلينا و لغيرنا. فلم يأت إلينا هذا الدين بتضحيات بسيطة و لكنّه وصل إلينا بتضحيات غالية جداً.قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى في فتح بلاد الأندلس نتناقش في قضية هامة جداً، و هي قضية حرق طارق بن زياد للسفن التي عبر بها من المغرب إلى بلاد الأندلس.و هي قصة اشتهرت كثيراً في التاريخ الإسلامي و التاريخ الأوروبي. ، و يقال أن طارق بن زياد حرق السفن التي عبر بها من المغرب إلى بلاد الأندلس ليحمس الجيش و قال لهم: البحر من ورائكم و العدو أمامكم فليس لكم نجاة إلا في السيوف.و الحق أن هذه الرواية لا يجب أبداً أن تستقيم و هي من الروايات الباطلة التي أدخلت إدخالاً على تاريخ المسلمين، و ذلك للأسباب الآتية:أولا:أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي. لأن عندنا علم الرجال و علم الجرح و التعديل و لا بد أن تكون الرواية منقولة عن طريق أناس موثوق فيهم.فهذه الرواية لم ترد أبداً أبداً في روايات المسلمين الموثوق في تأريخها، إنما جاءت فقط في الروايات الأوروربيّه.ثانياً:أنه لو حدث فعلاً حرق لهذه السفن كان لا بد أن يحدث رد فعل من موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك سؤالاً عن هذه الواقعة. فلا بد أن يكون هناك حوار بين موسى بن نصير و بين طارق بن زياد حول هذه القضية. و لابد أن يكون هناك تعليق من الوليد بن عبد الملك و لا بد أن يكون هناك تعليق من علماء المسلمين: هل يجوز هذا الفعل أم لا يجوز. و لذلك فإن الكتب اختفى منها رد الفعل تماماً مما يعطي شكاً كبيراً في حدوتها.ثالثاً:أن المصادر الأوروبيّة قد أشاعت هذا الأمر لأن الأوروبيين لا يستطيعون تفسير كيف انتصر 12 ألف من الرجال الرجّالة على 100 ألف فارس في بلادهم و عقر دارهم و في أرض عرفوها و هم من الخيّالية. فقالوا أن طارق بن زياد حرق سفنه ليجبر الجنود على القتال فانتصروا، لأن الأوروبيين لا يستطيعون فهم القاعدة القرآنية "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله و الله مع الصابرين" بل إن الأصل المتكرر في معظم المعارك الإسلاميّة أن يكون المسلمون قلّة و أن يكون الكافرون كثرة و أن ينتصر المسلمون بهذا العدد القليل .بل إنه من العجب العجاب أنه لو زاد أعداد المسلمين إنهزموا كما حدث في حنين" و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئاً).رابعاً:أن المسلمين لا يحتاجون إلى تحميس بحرق السفن فقد جاءوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله طالبين الموت في سبيل الله فلا حاجة للقائد أن يحمس المسلمين بحرق السفن.خامساً:ليس من المعقول أن قائداً محنكاً مثل طارق بن زياد رحمه الله يحرق سفنه و يحرق خط الرجعة عليه. ماذا لو انهزم المسلمون في معركة من المعارك، يقول تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار و من يولهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد ناء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير". أي أنّ هناك احتمال أن ينسحب المسلمون من ميدان المعركة إمّا تحيزاً إلى فئة و فئة المسلمين كانت في المغرب في الشمال الأفريقي فكيف يقطع طارق بن زياد على نفسه طريق الإنحياز إلى فئة المسلمين أو يقطع على على نفسه التحرف إلى قتال جديد و الاستعداد إلى قتال جديد.فإن مسألة الحرق هذه فيها تجاوز شرعي كبير لا يقد عليه رجل في ورع و تقوى و علم و جهاد طارق بن زياد رحمه الله و ما كان علماء المسلمين و حكّامهم ليسكتوا على هذا الفعل إن حدث.سادساً:إن طارق بن زياد لا يملك كل السفن بل كانت مؤجّرة من يوليان و كان طارق بن زياد يعطيه أجره عن هذه السفن و كان سوف يردّها إليه عندما يرجع إلى ميناء سبتة فليس من حق طارق بن زياد أن يحرق هذه السفن.لكل هذه الأمور نقول أن قصة حرق السفن هي قصة مختلقة أشيعت لتهون من فتح الأندلس.ما هو الموقف بعد موقعة وادي برباط ؟· طارق بن زياد يعلم أن أفضل الفرص لفتح بلاد الأندلس هي هذه الفرصة و لكنّه يجد أنّ الروح المعنويّة عند جيشه عالية جداً فقد انتصر 12 ألف على 100 ألف و الروح المعنوية عند القوطيين في الحضيض فقد قتل منه كثير و تفرّق منه بالفرار الكثير.· علم طارق بن زياد أن هذه فرصة سانحة ليعلم الناس دين الله سبحانه و تعالى، و أن عليه أن ينتهز فرصة أن يوليان متحالف معه و قد ينقض عهده بع ذلك و لذلك عليه أن ينتهز الفرصة و يفتح بلاد الأندلس.· توجه طارق بن زياد بجيشه شمالاً و منها اتجه إلى إشبيليّة و هي أعظم مندن الجنوب على الإطلاق.· عندما اتجه جيش المسلمين إلى أشبيليّة تحقق فيهم قوله صلى الله عليه و سلم كما جاء في صحيح البخاريّ " نصرت بالرعب مسيرة شهر" ففتحت المدينة أبوابها للمسلمين دون قتال و صالحت على الجزية.و لكن ما مفهوم الجزية:· الجزية هي ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامةأو المجوس أو حتى المشركين في آراء بعض الفقهاء. يدفعون الجزية كي يدافع عنهم المسلمون. لا يحمل الذين يدفعون الجزية سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم و لكن يجب أن يدافع عنهم المسلمون. و إذا فشل المسلمون في الدفاع عنهم ردّت إليهم الجزية.· تؤخذ الجزية من الرجال فقط و لا تؤخذ من النساء و لا الأطفال و لا الشيوخ و لا أصحاب العاهات و لا المرضى و لا الرجل المعتكف للعبادة و لا الفقير. بمعنى أدق فهي تؤخذ من القادرين على القتال.... بل إن الفقير غير المسلم قد يأخذ من بيت مال المسلمين.· الجزية في مقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون بل هي أقل بكثير مما يدفعه المسلمون. فكان الرجل الذي يدفع الجزية يدفع دينار واحد في السنة بينما كان المسلم يدفع 5ر2% من ماله إن كان قد بلغ النصاب و حال عليه الحول..... و في حالة إذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية و في حالة إذا اشترك مع المسلمين في القتال دفعوا له أجره.· الجزية كانت أقل بكثير من الضرائب التي كان يدفعها أصحاب الحكم في بلادهم. بل إن الزكاة نفسها أقل من أي ضريبة في العالم. فهل هناك نسبة ضريبة تبلغ 5ر2% فقط؟_____________انتظرونا مع انطلاقة طارق بن زياد