عندما تقرأ التاريخ و تقلب في صفحاته تشاهد سنن الله سبحانه و تعالى في التغيير .يكرر التاريخ نفسه بصورة عجيبة مع اختلاف الأسماء فقط. فأنت عندما تقرأ التاريخ فكأنك تقرأ المستقبل. فإن الله سبحانه و تعالى بسننه الثوابت قرأ لك المستقبل و هذا من فضله و رحمته سبحانه و تعالى.حدد لك كيف ستكون العواقب ، و المؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقين. المؤمن العاقل يكرر ما فعله السابقون و نجح معهم. و لا يقع في أخطاء من عارض منهج الله سبحانه و تعالى أو وقع في خطأ من الأخطاء حتى لو كان خطأ غير مقصود.لماذا ندرس التاريخ الأندلسي :لأنه تاريخ يشمل أكثر من 800 سنة من 92 هـ و حتى 897 هـ و كان له تداعيات بعد هذه الفترة أيضاً. يعني هي فترة أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي. و أيضاً لأن تاريخ الأندلس لكبر حجمه مرت به كثير من دورات التاريخ، فسنن الله فيه واضحة تماماً. فيه كثير من الأمم قامت و فيه كثير من الأمم سقطت.كثير من الدول أصبحت قوية و فتحت ما حولها من البلاد و كثير من الدول سقطت و تهاوت. ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع و ظهر أيضاً الخائف الجبان، ظهر في تاريخ الأندلس التقي الورع و ظهر أيضاً المخالف لشرع ربه سبحانه و تعالى، ظهر في تاريخ الأندلس الأمين على نفسه و دينه و وطنه و ظهر أيضاً الخائن لنفسه و لدينه و لوطنه.ظهرت كثير من النماذج سواء في الحكام أو المحكومين و سواء في العلماء أو في عوام الناس . إذن دراسة هذه الأمور تفيد كثيراً في استقراء المستقبل القادم على المسلمين:فمثلا: موقعة وادي برباط التي فتحت فيها الأندلس تشبه موقعتي اليرموك و القادسية و لكن الكثير من المسلمين لا يسمع أساساً عن وادي برباط. ترى: هل قصة حرق السفن التي حدثت زمن طارق بن زياد رحمه الله ، هل هي حقيقة أم خيال؟ و إذا كانت خيالاً فلماذا انتشرت بهذه الطريقة؟ و من هو عبد الرحمن الداخل الذي قال عنه المؤرخون أنه لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام كلياً من الأندلس؟ من هو عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق؟ و كان أكبر قوة في العالم وقتها؟ و من هو سف بن تشفين رحمه الله القائد الربانيّ و صاحب موقعة الزلاقة. كيف نشأ و كيف ربى الناس على حياة الجهاد؟ و كيف فتح دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات؟ و من هو أبو بكر بن عمر اللمتوني الذي أدخل الإسلام في أكثر من 15 دولة إفريقية؟ من هو أبو يوسف يعقوب المنصور صاحب موقعة الأرك الخالدة التي دكت فيها حصون الصليبيين و انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً. كيف كان مسجد قرطبة؟ و كيف كان أوسع المساجد في العالم في زمانه و أزمان متلاحقة بعد ذلك؟ و كيف حول إلى كنيسة! ما زال إلى اليوم كنيسة! كيف كان مسجد إشبيلية العجيب –جامعة قرطبة و المكتبة الأمويه – قصر الزهراء – مدينة الزهراء – مدينة الزاهرة – قصر الحمراء و غيرها من الأماكن الخالدة الموجودة إلى الآن و يزورها معظم الناس. ما هي موقعة العقاب التي هزم فيها المسلمون هزيمة ساحقة و كانوا يفوقون غيرهم في العدد و العدة و كأن حنين تتكرر من جديد؟؟؟؟؟؟؟؟ بعد موقعة العقاب لم ير في الأندلس و المغرب شاباً صالحاً للقتال! كيف سقطت الأندلس و ماهي العوامل التي إن تكررت في أي أمة سقطت لا محالة؟ كيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس؟ و ما هذا التزامن بين سقوط الإسلام في الغرب و انتشاره في الشرق من رحمة الله سبحانه و تعالى. ما هي مأساة بلنسية و قتل 60 ألف مسلم في يوم واحد؟ ماهي مأساة أوبدّة و قتل 60 ألف مسلم في يوم واحد؟ ماهي مأساة بربشتر و قتل 40 ألف مسلم و سبي 7000 فتاة بكر و كأنها البوسنة و الهرسك في التاريخ؟ نشاهدها الآن و لا نعرف أن لها أصول و جذور في التاريخ كيف تصرف المسلمون بعدها؟ و كيف قاموا؟لو عرفنا لاستطعنا أن نقوم الآن.سؤال هام جداً :لماذا حمل المسلمون سيوفهم و سلاحهم و توجهوا إلى الأندلس لفتحها؟الأندلس دولة مستقلة . تحكم بالقوط و النصارى في ذلك الزمن. و المسلمون دولة كبيرة جداً و مجاورة لها. في الأعراف الدولية الآن يعتبر حمل المسلمين سلاحهم لفتح الأندلس هو تعدي على حدود دولة مجاورة. و يقول كثير من الناس أن الإسلام انتشر بحد السيف، و لكن كيف و قد قال الله سبحانه و تعالى (لا إكراه في الدين).لتفسير هذا الأمر نقول أن الجهاد في الإسلام نوعان :· جهاد الدفع :و هو الدفاع عن أرضك يعني أن أحد الأعداء تهجم على أرضك و أنت تدافع عنها و هذا النوع من الجهاد يستوعبه الكثير من المسلمين و غير المسلمين.· جهاد الطلب :أو جهاد نشر الدعوة أو جهاد تعليم الآخرين هذا الدين . و هذا النوع من الجهاد قد لا يستوعبه كثير من المسلمين.الإسلام هو الدين الخاتم و هو كلمة الله سبحانه و تعالى الأخيرة للناس. و قد كلف الله سبحانه و تعالى المسلمين بنشر هذا الدين في ربوع العالم و أن تعلم الناس ما طلبه ربهم منهم.و من سنن الله سبحانه و تعالى أن هناك أقواماً يحكمون الشعوب الأخرى التي تدين بالإسلام. هذه الأقوام لا محالة ستقف أمام هذه الدعوة إلى غيرها من الناس. فالإسلام شرع للمسلمين التوجه بسيوفهم و جيوشهم لحماية الدعاة إلى الله سبحانه و تعالى لنشر هذا الدين و تعليمه للآخرين.فمن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن المسيح هو الله (حاشا لله) أو أن البقرة هي الإله(حاشا لله) أو أن ليس للكون خالق؟ أو أن الطبيعة هي رب الكون. من يعلم هؤلاء إذا لم يعلمهم المسلممون أصحاب الرسالة الخاتمة. ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً ).أي أنك سوف تشهد عند الله سبحانه و تعالى و تقول يا رب شرحت لهم و علمتهم و ذهبت إليهم و جاهدت في سبيلك و لكنهم أنكروا أو اتبعوا.الأصل في الأمور أن هؤلاء الناس لن يتركوك تفعل هذا الأمر سيقفون بسيوفهم ، لأن هؤلاء الحكام مستفيدون لعبادة هؤلاء الناس لغير الله سبحانه و تعالى. و لكن إذا حكّم شرع الله انتقلت الحاكمية من هؤلاء الناس إلى الله سبحانه و تعالى، و هم لا يريدون ذلك و سيقفون أمامك بسيوفهم و جيوشهم و عليك أن تقف أنت أيضاً أمامهم بسيفك و جيشك حتى تحمي الدعوة إلى الله سبحانه و تعالى.المسلمون لا يقاتلون الشعوب. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه يقول للجيوش الفاتحة:إتقوا الله في الفلاحين، إتقوا الله في عموم الناس، إتقوا الله في الناس التي لا يهمها هذا الحاكم أو ذاك و لكن تعيش لكي تعلم أين الخير لتتبعه.لا تقتلوا إلا من قاتلكم . فكان المسلمون يتجنبون إيذاء النساء و الأطفال و الناس المعتكفة للعبادة أو الناس الضعيفة التي لا تستطيع القتال أو حتى الناس القوية التي لا تشترك في قتال المسلمين.أي أن المسلمين في حروبهم كانوا يقاتلون الجيوش و الحكام الذين عبّدوا الناس لغير الله سبحانه و تعالى.ممكن من يقول :إذا سمحوا لك أنك تدعو إلى الله سبحانه و تعالى في بلادهم فما الفائدة من الجيش؟ ممكن أن نرسل مجموعة من الدعاة يدعون إلى الله سبحانه و تعالى بالتي هي أحسن بدون جيش و لا عرض للإسلام و لا الجزية. أترك الناس أحرار تختار كما تشاء. كما يقال أن الإسلام انتشر بالتجارة في شرق آسيا.و الرد على ذلك : إن هذا الكلام به افتراض غير واقعي، لأن ذلك مناف لسنن الله سبحانه و تعالى في خلقه و في أرضه. فإن الكثير من البلاد الإسلاميه دخلت الإسلام عن طريق الفتوحات و القلة القليلة جداً هي من دخلت الإسلام عن طريق التجارة. لأن حكام الدول المجاورة للمسلمين لن تترك الدعاة يدعون إلى الله سبحانه و تعالى بدون وجود جيش يحميهم و لذلك شرع الله سبحانه و تعالى الجهاد إلى يوم القيامة و أصبحت سنة من سنن الله سبحانه و تعالى في الأرض إلى يوم القيامة. و إذا كانت هناك بعض البلاد تترك الحرية للدعوة إلى الله فإن هذا الأمر ليس متروكاً بصورة عشوائية حيث أن المسلمين لم يصلوا إلى القوة المغيّرة في هذه البلاد و لو وصل المسلمون إلى الحجم الذي يؤثر على سياسة هذه البلاد لن تكون هناك سماح للكلام في الإسلام أو الدعوة إلى الإسلام. إذا كانت هذه الدول لا تسمح بقيام دول إسلامية خارج حدودها، فما بالك لو قامت هذه البلاد الإسلامية أو هذا الفكر الإسلامي داخل بلادهم! ثم إذا سمح للدعوة إلى الإسلام في هذه البلاد عن طريق البرامج و الشرائط و كافة الوسائل فهو يخرج إليك في مقابل المقال الإسلامي بعشرات المقالات العلمانية و في مقابل الصورة الإسلامية الناجحة عشرات الصور الفاضحة. فإن كان هذا الأمر فهل ستؤدي الدعوة إلى الإسلام هدفها وسط هذا الركام الهائل من المضادات للدعوة الإسلامية؟فرسالة المسلم التي كلفه الله بها إلى يوم القيامة هو نشر الإسلام في ربوع الأرض. و يلخص هذه الرساله ربعي بن عامر رضي الله عنه في الحوار الذي دار بينه و بين رستم في موقعة القادسية. يقول ربعي بن ربعي: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام، و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة".أي أن المسلمين يجاهدون و يتحركون بجيوشهم لمصلحة الناس. لأن كثيراً من الناس لا تسمع لك إلاً إذا كنت محاطاً بقوة "وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" فتجلس و تسمع لك و تفكر و تجد أن ما كانت ترفضه هو النجاة.فكثير من المسلمين دخلوا في الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية غير مكرهين و لا مضطرين "لا إكراه في الدين" فبعد دخول المسلمين هذه البلاد كانوا يخيرون الناس بين أن يظلوا على إسلامهم أو يظلوا على معتقداتهم.و لكن أين هي الأندلس ؟الأندلس الآن هي أسبانيا و البرتغال أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية ، و مساحتها 600 ألف كيلومتر مربع.لماذا سميت بلاد الأندلس بهذا الإسم؟سكن في الأندلس منذ القرن الأول الميلادي بعض القبائل الهمجية التي جاءت من شمال اسكندنافيا (السويد و الدنمارك و النرويج) و يقال أن هذه القبائل جاءت من ألمانيا. بصرف النظر عن مجيئها و لكن هذه القبائل كان يطلق عليها اسم قبائل الفاندال و تسمى بالعربية قبائل الواندال و سميت هذه البلاد بفانداليسيا ثم حرف هذا الإسم إلى أندليسيا و قد كانت هذه القبائل قبائل وحشية حتى أنه كان من المعروف أن أحوال هذه القبائل قد انصلح بعد دخول الإسلام.خرجت هذه القبلئل من الأندلس و حكم الأندلس قبائل أخرى من النصارى عرفت باسم قبائل القوط الغربيين و هم الذين كانوا يعيشون في الأندلس عند دخول المسلمين.و لكن ما هي الأسباب التي دعت المسلمين إلى فتح الأندلس في هذا الوقت بالذات؟ذهبوا إلى الأندلس لأن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى المغرب الأقصى في الفتوح و بعد المغرب الأقصى يوجد المحيط الأطلسي فإمّا أن تتجه شمالاً و تعبر مضيق جبل طارق و تدخل إلى بلاد الأندلس و إمّا أن تنزل جنوباً في الصحراء الكبرى.المسلمون ليس همهم جمع الأراضي و الممتلكات فالصحراء الكبرى قليلة السكان جداً فكان همهم (البشر) حتى يعلموهم دين الله سبحانه و تعالى. فلمّا انتهوا من المغرب انتقلوا إلى الدولة المجاورة مباشرة و لمّا انتهوا من الأندلس غنتقلوا إلى الدولة المجاورة و هي فرنسا.يقول الله سبحانه و تعالى : (قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار و ليجدوا فيكم غلظة). معنى الذين يلونكم: أي البلاد المجاورة لكم.و هناك حوار لطيف دار بين معاذ بن جبل رضي الله عنه و بين ملك من ملوك الروم قبل موقعة اليرموك فيقول ملك الروم: ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا و بلاد الحبشة أسهل عليكم؟ فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (قال لنا ربنا في كتابه الكريم :"قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار و ليجدوا فيكم غلظة" فأنتم البلاد التي تلينا ثم بعد الإنتهاء من بلاد الروم سنجوزها إلى الحبشة و غيرها من البلاد).في أي زمان فتحت بلاد الأندلس: هذه الفترة من فترات بني أمية و بالذات في خلافة الوليد بن عبد الملك و هو الخليفة الأموي الذي حكم من سنة 86 و حتى سنة 96 و فتحت الأندلس سنة 92 هـ . و كثير من البلاد فتحت في عهد الدولة الأموية و منها ليبيا و حتى أواخر المغرب، نعم لقد بدأت الفتوح في هذه البلاد في عهد عثمان بن عفّان لكن كثيراً من البلاد ارتدت عن الإسلام بعد ذلك و أعيد فتحها في عهد الدولة الأموية و فتحت أيضاً أفغانستان و جمهوريات جنوب روسيا. دوّنت السنة و رغّب في الجهاد في عهد بني أميّة. فكان المسلمون يخرجون للجهاد صيفاً و شتاءاً كأمر طبيعي و كأنهم يخرجون إلى أعمالهم. حكمت دولة بني أمية من سنة 40 إلى سنة 132 هـ . آخر 7 سنوات فقط من عهد بني أمية هي التي حدثت فيها فتن و حياد عن منهج الله سبحانه و تعالى. و بذلك تحققت سنة الله سبحانه و تعالى في أرضه و انتقلت الخلافة من بني أميّة إلى بني العباس.و لكن ما هي حالة أوروبا عند الفتح الإسلامي؟ كانت تعيش أوروبا فترة من فترات الجهل و ظلم من الحكّام للمحكومين و تعيش الشعوب في بؤس كبير. اهتمّوا كثيراً ببناء القصور و القلاع و الحصون بينما يعيش الشعب في فقر شديد. الناس الذين كانوا يزرعون الأراضي كانت تباع و تشترى مع الأرض و هناك انتهاك للحرمات، و أخلاق متدنيّه. و حتى أبسط مباديء النظافة لم يكونوا يتبعونها فكانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم و يتركون الأوساخ على أجسامهم و يعتقدون أنها بركة. أما المسلمون الذين صعدوا إلى اسكندنافيا ذكروا : أن الناس كانوا يتفاهمون بالإشارة و ليست لهم لغة يتحدثون بها. و كانت لهم بعض تصرفات الوثنيين من حرق للمتوفي و حرق زوجته أو جاريته أو من يحبهم معه و ذلك أمام الناس و هم يشاهدون و يتفرجون.
الثلاثاء، ديسمبر ١٩، ٢٠٠٦
الأندلس من الفتح الى السقوط - مقدمة
عندما تقرأ التاريخ و تقلب في صفحاته تشاهد سنن الله سبحانه و تعالى في التغيير .يكرر التاريخ نفسه بصورة عجيبة مع اختلاف الأسماء فقط. فأنت عندما تقرأ التاريخ فكأنك تقرأ المستقبل. فإن الله سبحانه و تعالى بسننه الثوابت قرأ لك المستقبل و هذا من فضله و رحمته سبحانه و تعالى.حدد لك كيف ستكون العواقب ، و المؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقين. المؤمن العاقل يكرر ما فعله السابقون و نجح معهم. و لا يقع في أخطاء من عارض منهج الله سبحانه و تعالى أو وقع في خطأ من الأخطاء حتى لو كان خطأ غير مقصود.لماذا ندرس التاريخ الأندلسي :لأنه تاريخ يشمل أكثر من 800 سنة من 92 هـ و حتى 897 هـ و كان له تداعيات بعد هذه الفترة أيضاً. يعني هي فترة أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي. و أيضاً لأن تاريخ الأندلس لكبر حجمه مرت به كثير من دورات التاريخ، فسنن الله فيه واضحة تماماً. فيه كثير من الأمم قامت و فيه كثير من الأمم سقطت.كثير من الدول أصبحت قوية و فتحت ما حولها من البلاد و كثير من الدول سقطت و تهاوت. ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع و ظهر أيضاً الخائف الجبان، ظهر في تاريخ الأندلس التقي الورع و ظهر أيضاً المخالف لشرع ربه سبحانه و تعالى، ظهر في تاريخ الأندلس الأمين على نفسه و دينه و وطنه و ظهر أيضاً الخائن لنفسه و لدينه و لوطنه.ظهرت كثير من النماذج سواء في الحكام أو المحكومين و سواء في العلماء أو في عوام الناس . إذن دراسة هذه الأمور تفيد كثيراً في استقراء المستقبل القادم على المسلمين:فمثلا: موقعة وادي برباط التي فتحت فيها الأندلس تشبه موقعتي اليرموك و القادسية و لكن الكثير من المسلمين لا يسمع أساساً عن وادي برباط. ترى: هل قصة حرق السفن التي حدثت زمن طارق بن زياد رحمه الله ، هل هي حقيقة أم خيال؟ و إذا كانت خيالاً فلماذا انتشرت بهذه الطريقة؟ و من هو عبد الرحمن الداخل الذي قال عنه المؤرخون أنه لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام كلياً من الأندلس؟ من هو عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق؟ و كان أكبر قوة في العالم وقتها؟ و من هو سف بن تشفين رحمه الله القائد الربانيّ و صاحب موقعة الزلاقة. كيف نشأ و كيف ربى الناس على حياة الجهاد؟ و كيف فتح دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات؟ و من هو أبو بكر بن عمر اللمتوني الذي أدخل الإسلام في أكثر من 15 دولة إفريقية؟ من هو أبو يوسف يعقوب المنصور صاحب موقعة الأرك الخالدة التي دكت فيها حصون الصليبيين و انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً. كيف كان مسجد قرطبة؟ و كيف كان أوسع المساجد في العالم في زمانه و أزمان متلاحقة بعد ذلك؟ و كيف حول إلى كنيسة! ما زال إلى اليوم كنيسة! كيف كان مسجد إشبيلية العجيب –جامعة قرطبة و المكتبة الأمويه – قصر الزهراء – مدينة الزهراء – مدينة الزاهرة – قصر الحمراء و غيرها من الأماكن الخالدة الموجودة إلى الآن و يزورها معظم الناس. ما هي موقعة العقاب التي هزم فيها المسلمون هزيمة ساحقة و كانوا يفوقون غيرهم في العدد و العدة و كأن حنين تتكرر من جديد؟؟؟؟؟؟؟؟ بعد موقعة العقاب لم ير في الأندلس و المغرب شاباً صالحاً للقتال! كيف سقطت الأندلس و ماهي العوامل التي إن تكررت في أي أمة سقطت لا محالة؟ كيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس؟ و ما هذا التزامن بين سقوط الإسلام في الغرب و انتشاره في الشرق من رحمة الله سبحانه و تعالى. ما هي مأساة بلنسية و قتل 60 ألف مسلم في يوم واحد؟ ماهي مأساة أوبدّة و قتل 60 ألف مسلم في يوم واحد؟ ماهي مأساة بربشتر و قتل 40 ألف مسلم و سبي 7000 فتاة بكر و كأنها البوسنة و الهرسك في التاريخ؟ نشاهدها الآن و لا نعرف أن لها أصول و جذور في التاريخ كيف تصرف المسلمون بعدها؟ و كيف قاموا؟لو عرفنا لاستطعنا أن نقوم الآن.سؤال هام جداً :لماذا حمل المسلمون سيوفهم و سلاحهم و توجهوا إلى الأندلس لفتحها؟الأندلس دولة مستقلة . تحكم بالقوط و النصارى في ذلك الزمن. و المسلمون دولة كبيرة جداً و مجاورة لها. في الأعراف الدولية الآن يعتبر حمل المسلمين سلاحهم لفتح الأندلس هو تعدي على حدود دولة مجاورة. و يقول كثير من الناس أن الإسلام انتشر بحد السيف، و لكن كيف و قد قال الله سبحانه و تعالى (لا إكراه في الدين).لتفسير هذا الأمر نقول أن الجهاد في الإسلام نوعان :· جهاد الدفع :و هو الدفاع عن أرضك يعني أن أحد الأعداء تهجم على أرضك و أنت تدافع عنها و هذا النوع من الجهاد يستوعبه الكثير من المسلمين و غير المسلمين.· جهاد الطلب :أو جهاد نشر الدعوة أو جهاد تعليم الآخرين هذا الدين . و هذا النوع من الجهاد قد لا يستوعبه كثير من المسلمين.الإسلام هو الدين الخاتم و هو كلمة الله سبحانه و تعالى الأخيرة للناس. و قد كلف الله سبحانه و تعالى المسلمين بنشر هذا الدين في ربوع العالم و أن تعلم الناس ما طلبه ربهم منهم.و من سنن الله سبحانه و تعالى أن هناك أقواماً يحكمون الشعوب الأخرى التي تدين بالإسلام. هذه الأقوام لا محالة ستقف أمام هذه الدعوة إلى غيرها من الناس. فالإسلام شرع للمسلمين التوجه بسيوفهم و جيوشهم لحماية الدعاة إلى الله سبحانه و تعالى لنشر هذا الدين و تعليمه للآخرين.فمن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن المسيح هو الله (حاشا لله) أو أن البقرة هي الإله(حاشا لله) أو أن ليس للكون خالق؟ أو أن الطبيعة هي رب الكون. من يعلم هؤلاء إذا لم يعلمهم المسلممون أصحاب الرسالة الخاتمة. ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً ).أي أنك سوف تشهد عند الله سبحانه و تعالى و تقول يا رب شرحت لهم و علمتهم و ذهبت إليهم و جاهدت في سبيلك و لكنهم أنكروا أو اتبعوا.الأصل في الأمور أن هؤلاء الناس لن يتركوك تفعل هذا الأمر سيقفون بسيوفهم ، لأن هؤلاء الحكام مستفيدون لعبادة هؤلاء الناس لغير الله سبحانه و تعالى. و لكن إذا حكّم شرع الله انتقلت الحاكمية من هؤلاء الناس إلى الله سبحانه و تعالى، و هم لا يريدون ذلك و سيقفون أمامك بسيوفهم و جيوشهم و عليك أن تقف أنت أيضاً أمامهم بسيفك و جيشك حتى تحمي الدعوة إلى الله سبحانه و تعالى.المسلمون لا يقاتلون الشعوب. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه يقول للجيوش الفاتحة:إتقوا الله في الفلاحين، إتقوا الله في عموم الناس، إتقوا الله في الناس التي لا يهمها هذا الحاكم أو ذاك و لكن تعيش لكي تعلم أين الخير لتتبعه.لا تقتلوا إلا من قاتلكم . فكان المسلمون يتجنبون إيذاء النساء و الأطفال و الناس المعتكفة للعبادة أو الناس الضعيفة التي لا تستطيع القتال أو حتى الناس القوية التي لا تشترك في قتال المسلمين.أي أن المسلمين في حروبهم كانوا يقاتلون الجيوش و الحكام الذين عبّدوا الناس لغير الله سبحانه و تعالى.ممكن من يقول :إذا سمحوا لك أنك تدعو إلى الله سبحانه و تعالى في بلادهم فما الفائدة من الجيش؟ ممكن أن نرسل مجموعة من الدعاة يدعون إلى الله سبحانه و تعالى بالتي هي أحسن بدون جيش و لا عرض للإسلام و لا الجزية. أترك الناس أحرار تختار كما تشاء. كما يقال أن الإسلام انتشر بالتجارة في شرق آسيا.و الرد على ذلك : إن هذا الكلام به افتراض غير واقعي، لأن ذلك مناف لسنن الله سبحانه و تعالى في خلقه و في أرضه. فإن الكثير من البلاد الإسلاميه دخلت الإسلام عن طريق الفتوحات و القلة القليلة جداً هي من دخلت الإسلام عن طريق التجارة. لأن حكام الدول المجاورة للمسلمين لن تترك الدعاة يدعون إلى الله سبحانه و تعالى بدون وجود جيش يحميهم و لذلك شرع الله سبحانه و تعالى الجهاد إلى يوم القيامة و أصبحت سنة من سنن الله سبحانه و تعالى في الأرض إلى يوم القيامة. و إذا كانت هناك بعض البلاد تترك الحرية للدعوة إلى الله فإن هذا الأمر ليس متروكاً بصورة عشوائية حيث أن المسلمين لم يصلوا إلى القوة المغيّرة في هذه البلاد و لو وصل المسلمون إلى الحجم الذي يؤثر على سياسة هذه البلاد لن تكون هناك سماح للكلام في الإسلام أو الدعوة إلى الإسلام. إذا كانت هذه الدول لا تسمح بقيام دول إسلامية خارج حدودها، فما بالك لو قامت هذه البلاد الإسلامية أو هذا الفكر الإسلامي داخل بلادهم! ثم إذا سمح للدعوة إلى الإسلام في هذه البلاد عن طريق البرامج و الشرائط و كافة الوسائل فهو يخرج إليك في مقابل المقال الإسلامي بعشرات المقالات العلمانية و في مقابل الصورة الإسلامية الناجحة عشرات الصور الفاضحة. فإن كان هذا الأمر فهل ستؤدي الدعوة إلى الإسلام هدفها وسط هذا الركام الهائل من المضادات للدعوة الإسلامية؟فرسالة المسلم التي كلفه الله بها إلى يوم القيامة هو نشر الإسلام في ربوع الأرض. و يلخص هذه الرساله ربعي بن عامر رضي الله عنه في الحوار الذي دار بينه و بين رستم في موقعة القادسية. يقول ربعي بن ربعي: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام، و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة".أي أن المسلمين يجاهدون و يتحركون بجيوشهم لمصلحة الناس. لأن كثيراً من الناس لا تسمع لك إلاً إذا كنت محاطاً بقوة "وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" فتجلس و تسمع لك و تفكر و تجد أن ما كانت ترفضه هو النجاة.فكثير من المسلمين دخلوا في الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية غير مكرهين و لا مضطرين "لا إكراه في الدين" فبعد دخول المسلمين هذه البلاد كانوا يخيرون الناس بين أن يظلوا على إسلامهم أو يظلوا على معتقداتهم.و لكن أين هي الأندلس ؟الأندلس الآن هي أسبانيا و البرتغال أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية ، و مساحتها 600 ألف كيلومتر مربع.لماذا سميت بلاد الأندلس بهذا الإسم؟سكن في الأندلس منذ القرن الأول الميلادي بعض القبائل الهمجية التي جاءت من شمال اسكندنافيا (السويد و الدنمارك و النرويج) و يقال أن هذه القبائل جاءت من ألمانيا. بصرف النظر عن مجيئها و لكن هذه القبائل كان يطلق عليها اسم قبائل الفاندال و تسمى بالعربية قبائل الواندال و سميت هذه البلاد بفانداليسيا ثم حرف هذا الإسم إلى أندليسيا و قد كانت هذه القبائل قبائل وحشية حتى أنه كان من المعروف أن أحوال هذه القبائل قد انصلح بعد دخول الإسلام.خرجت هذه القبلئل من الأندلس و حكم الأندلس قبائل أخرى من النصارى عرفت باسم قبائل القوط الغربيين و هم الذين كانوا يعيشون في الأندلس عند دخول المسلمين.و لكن ما هي الأسباب التي دعت المسلمين إلى فتح الأندلس في هذا الوقت بالذات؟ذهبوا إلى الأندلس لأن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى المغرب الأقصى في الفتوح و بعد المغرب الأقصى يوجد المحيط الأطلسي فإمّا أن تتجه شمالاً و تعبر مضيق جبل طارق و تدخل إلى بلاد الأندلس و إمّا أن تنزل جنوباً في الصحراء الكبرى.المسلمون ليس همهم جمع الأراضي و الممتلكات فالصحراء الكبرى قليلة السكان جداً فكان همهم (البشر) حتى يعلموهم دين الله سبحانه و تعالى. فلمّا انتهوا من المغرب انتقلوا إلى الدولة المجاورة مباشرة و لمّا انتهوا من الأندلس غنتقلوا إلى الدولة المجاورة و هي فرنسا.يقول الله سبحانه و تعالى : (قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار و ليجدوا فيكم غلظة). معنى الذين يلونكم: أي البلاد المجاورة لكم.و هناك حوار لطيف دار بين معاذ بن جبل رضي الله عنه و بين ملك من ملوك الروم قبل موقعة اليرموك فيقول ملك الروم: ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا و بلاد الحبشة أسهل عليكم؟ فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (قال لنا ربنا في كتابه الكريم :"قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار و ليجدوا فيكم غلظة" فأنتم البلاد التي تلينا ثم بعد الإنتهاء من بلاد الروم سنجوزها إلى الحبشة و غيرها من البلاد).في أي زمان فتحت بلاد الأندلس: هذه الفترة من فترات بني أمية و بالذات في خلافة الوليد بن عبد الملك و هو الخليفة الأموي الذي حكم من سنة 86 و حتى سنة 96 و فتحت الأندلس سنة 92 هـ . و كثير من البلاد فتحت في عهد الدولة الأموية و منها ليبيا و حتى أواخر المغرب، نعم لقد بدأت الفتوح في هذه البلاد في عهد عثمان بن عفّان لكن كثيراً من البلاد ارتدت عن الإسلام بعد ذلك و أعيد فتحها في عهد الدولة الأموية و فتحت أيضاً أفغانستان و جمهوريات جنوب روسيا. دوّنت السنة و رغّب في الجهاد في عهد بني أميّة. فكان المسلمون يخرجون للجهاد صيفاً و شتاءاً كأمر طبيعي و كأنهم يخرجون إلى أعمالهم. حكمت دولة بني أمية من سنة 40 إلى سنة 132 هـ . آخر 7 سنوات فقط من عهد بني أمية هي التي حدثت فيها فتن و حياد عن منهج الله سبحانه و تعالى. و بذلك تحققت سنة الله سبحانه و تعالى في أرضه و انتقلت الخلافة من بني أميّة إلى بني العباس.و لكن ما هي حالة أوروبا عند الفتح الإسلامي؟ كانت تعيش أوروبا فترة من فترات الجهل و ظلم من الحكّام للمحكومين و تعيش الشعوب في بؤس كبير. اهتمّوا كثيراً ببناء القصور و القلاع و الحصون بينما يعيش الشعب في فقر شديد. الناس الذين كانوا يزرعون الأراضي كانت تباع و تشترى مع الأرض و هناك انتهاك للحرمات، و أخلاق متدنيّه. و حتى أبسط مباديء النظافة لم يكونوا يتبعونها فكانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم و يتركون الأوساخ على أجسامهم و يعتقدون أنها بركة. أما المسلمون الذين صعدوا إلى اسكندنافيا ذكروا : أن الناس كانوا يتفاهمون بالإشارة و ليست لهم لغة يتحدثون بها. و كانت لهم بعض تصرفات الوثنيين من حرق للمتوفي و حرق زوجته أو جاريته أو من يحبهم معه و ذلك أمام الناس و هم يشاهدون و يتفرجون.